« للعلى سعيا »

وحيد مبارك
أبان أسود الأطلس في مونديال قطر عن قوة وبسالة كبيرتين، وهم يواجهون المنتخب تلو الآخر، بكل نكران ذات وروح جماعية وبكل استبسال وتضحية، ضدا على الأعطاب والآلام، وفي كل المحبّطات، وأصروا على أن يلبوا نداء الوطن، وأن يقفوا شامخين وهم يردّدون النشيد الوطني بأفواههم، أو تنبض مع كلماته قلوبهم، وأن يكونوا أسودا وهم يدافعون، يراوغون، يهاجمون، ففي كل لحظة من لحظات تواجدهم في قطر، كانت أرواحهم وعقولهم وقلوبهم ومعها حناجرهم تردد « لبى نداك».
أسود الأطلس، لم يكتفوا بحمل العلم المغربي ولا بترديد النشيد الوطني، فقد أكدوا للجميع فعلا على أنهم فداء لوطنهم، حين اختار عدد منهم بلدهم، وبيّنوا للكل على أنهم واعون كل الوعي، ويحسّون كل الإحساس بثقل كلمة الوطني، وبقيمة كل كلمة في هذا النشيد المجيد، وهم يقفون أثناء عزف كلماته قبل المباراة، يردّدون «في فمي وفي دمي هواك ثار نور ونار»، وحين مقارعتهم للكبار بعد ذلك على أرضية الملعب، إذ كانت كلمات النشيد أيضا حاضرة في البال والأذهان، تسيطر على فكرهم وخطواتهم، كيف لا وها هو الأسد يوسف النصيري، يرتقي عاليا متجاوزا المدافعين والحارس ويسجل هدف الفوز على البرتغال للعبور إلى نصف نهاية المونديال، وكأنه يردد أمام الجميع « للعلى سعيا»، ويضيف هذا وطني وأنا ابنه، «أشهد الدنيا» على ذلك، وما هذا الارتقاء التاريخي في مسابقات المونديال إلا مثالا بسيطا لحجم هوى الوطن الذي يسكن القلب والوجدان، الذي يدفعك لأن تصبح خارقا وبطلا في أعين الجميع.
الوطن، الذي تغنى بنشيده اليوم، المغاربة والأجانب على حدّ سواء، وتداولته الألسن بالعديد من اللغات، بل وانبرى للبحث في مضامين ومعاني كلماته العديد من المهتمين، ترجم أسود الأطلس كل كلماته إلى أفعال، وجعلوا الجميع يعوم كيف أنه فعلا «ملء كل جنان .. ذكر كل لسان»، وشددوا جميعهم، وهم يعانقون بعضهم البعض، وهم يقبلون رؤوس أمهاتهم ويراقصونهن، وهم يسجدون أرضا، حمدا وشكرا لله، على أنهم، ومعهم كل من كانت تهتف حناجرهم وتنبض قلوبهم بحب الوطن، على أنهم يشهدون العالم، الذي يتابع كل تفاصيل ذلك الشموخ، في الملعب وخارجه، ومن وراء شاشات التلفاز، بكل اللغات واللهجات، على أن أسودنا أينما كانوا وتواجدوا، أينما ولدوا وشبّوا، بأنهم يحيون بالشعار الخالد «الله .. الوطن .. الملك».
شعار يسقي تربة القلب بالحب لينبت مواطنة خالصة لا تقدر بثمن، تقاوم كل الاغراءات، تواجه كل التحديات، وتتشبث بجذورها الضاربة في عمق «تامغرابيت»، بشكل يجعل الكثيرين يطرحون التساؤلات، ويصابون بالحيرة فلا يجدون أجوبة، باستثناء الجواب الصريح الذي ليس بعده جواب عن سبب اختيار المنتخب الوطني، الذي قاله الأسد المغربي حكيم زياش، ويقوله معه الجميع، تصريحا وتلميحا «لقد أملى علي قلبي ذلك»، جواب كاف وشاف، فهل هناك من يمكنه أن يتوه عن والدته؟ فالوطن أمّ وحضن ودفء وقلب يسع جميع أبنائه في كل زمان ومكان.
الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 14/12/2022