ماكرون رئيسا لفرنسا، هل يمنحه الفرنسيون أغلبية تشريعية؟

باريس: يوسف لهلالي

بعد جولة ثانية وحاسمة من الانتخابات الرئاسية أعيد انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسا لفرنسا لولاية ثانية تمتد خمس سنوات، إثر تغلبه على منافسته مارين لوبن، التي حققت أعلى نتيجة لمرشح يميني متطرف في انتخابات رئاسية بنسبة 42 في المائة، وحقق ماكرون انتصارا واضحا وحصد ما بين 58 في المائة من الأصوات.
واختار الفرنسيون الاستمرارية وانتخاب رئيس ليبرالي وموال جدا لأوروبا بدلا من مرشحة راديكالية تريد «إغلاق حدود فرنسا» في وجه العالم والتخلص من الاتحاد الأوروبي ومغادرته.
لكن بعد هذا الفوز التاريخي، يبقى التساؤل الكبير مطروحا، هل سيمنح الفرنسيون أغلبية تشريعية للرئيس المنتخب في شهر يونيو المقبل؟
زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون، الذي حل ثالثا في الجولة الأولى من الانتخابات، والذي أصبحت حركته أقوى تنظيم لليسار بعد انهيار الحزب الاشتراكي وحزب الخضر، طالب الفرنسيين «بتعيينه وزيرا أول»، بمعنى منحه أغلبية بالبرلمان من أجل قيادة حكومة تتعايش مع إيمانييل ماكرون، وذلك في الانتخابات التشريعية المقررة في 12 و19 يونيو، ووعد الرئيس المنتخب عندما توجه إلى أنصاره، أنها ستكون «جحيما بالنسبة لماكرون»، معتبرا أنه رئيس «انتخب بشكل سيء». وقال إن «الجولة الثالثة تبدأ هذا المساء».
الرئيس سيواجه صعوبات كبيرة، وسيكون أول تحد أمامه الحصول على الأغلبية في الانتخابات التشريعية المقررة في يونيو، وهو واع بهذه الوضعية، عندما قال لأنصاره في خطاب أمام برج إيفل في باريس «أعلم أن عددا من مواطنينا صوتوا لي اليوم، ليس دعما للأفكار التي أحملها بل للوقوف في وجه (أفكار) اليمين المتطرف»، مضيفا «هذا التصويت يلزمني للأعوام المقبلة». وأضاف «منذ هذه اللحظة، لم أعد رئيس فريق، إنما رئيس الجميع»، وقال إن «الغضب والاختلاف في الرأي اللذين قادا للتصويت لليمين المتطرف، يجب أن يجدا أجوبة، هذه مسؤوليتي ومسؤولية المحيطين بي».
واعتبرت لوبن أن ما حصدته من أصوات في الانتخابات الرئاسية يشكل «انتصارا مدويا». ووعدت بـ»مواصلة» مسيرتها السياسية، مؤكدة أنها «لن تتخلى أبدا» عن الفرنسيين. وقالت «نطلق هذا المساء المعركة الانتخابية التشريعية الكبيرة»، وسط تصفيق حار من مناصريها.
وحقق ماكرون انتصارا واضحا وحصد ما بين 58 في المئة من الأصوات، في انتخابات اتسمت بنسبة امتناع عن التصويت مرتفعة وصلت 28 في المائة، وهي الأعلى في دور ثان من الانتخابات الرئاسية.
غير أن هذه الانتخابات تندرج في سياق نسبة امتناع عن التصويت قياسية تقدر بـ28% وهي نسبة غير مسبوقة في دورة ثانية من الانتخابات الرئاسية منذ 1969 (31,3%).
وكان ماكرون حصل عام 2017 على 66,10% من الأصوات، متقدما بفارق كبير على لوبن (33,90%).
وأثارت مواقفه المثيرة للخلافات بشأن مسائل عدة وممارسته العمودية للسلطة استياء جزء من الفرنسيين، الذين اعتبروا أنه بعيد جدا عن واقع حياتهم اليومية والصعوبات المادية التي يواجهونها في نهاية كل شهر، ووصفه بعض معارضيه بـ»رئيس الأثرياء» خصوصا بسبب قرارين اتخذهما في بداية ولايته ولم يقبلهما اليسار أبدا، هما إلغاء الضريبة على الثروات وتخفيض إعانات السكن.
وشهدت الحقبة الرئاسية الأولى لماكرون أعمال عنف خلال تظاهرات «السترات الصفراء» وتعامل قوات الأمن مع المتظاهرين بشكل جد عنيف، إضافة إلى معاملة المهاجرين (الأفغان والسوريين والسودانيين…) بشكل «مهين»، وفق منظمات غير حكومية دولية ووطنية خصوصا في كاليه (شمال)، وفقد ماكرون، بشكل نهائي، جزءا من اليسار رغم أنه التيار السياسي الذي يتحدر منه، وتبنى مواقف محافظة أقرب إلى اليمين في عدة مجالات.
لقد تمكن الرئيس المنتهية ولايته من تحقيق الانتصار على منافسيه من خلال إعادة انتخابه رئيسا لفرنسا، لكن لوبن وميلونشون وعدوه بجولة ثالثة، ووعدوه بحرمانه من الأغلبية التشريعية التي من دونها لن يكون بإمكان ايمانييل ماكرون تطبيق برنامجه، فهل يمنحه الفرنسيون الأغلبية بالجمعية العامة أم سوف يفرضون عليه تعايشا مع أغلبية من اليسار أم سيكون مجبرا على تشكيل حكومة مؤلفة من عدد من القوى السياسية، وهو ما سوف تبينه الانتخابات التشريعية المقبلة، التي ربما ستكون جولة ثالثة كما سماها معارضوه.

 

الكاتب : باريس: يوسف لهلالي - بتاريخ : 26/04/2022