معرض الكتاب: الاستثناء حين يصبح قاعدة

حفيظة الفارسي

لا يمكن للمتابع للحياة الثقافية الوطنية إلا أن يستغرب من الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الثقافة بنقل أو ترحيل فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته 28 القادمة، للمرة الثانية على التوالي، إلى مدينة الرباط واجتثاثه من مسقط رأسه الدار البيضاء والإعلان عن دعم الوزارة للمعرض هذه السنة بـ3 ملايير درهم . ولا نعلم هذه السنة المبررات التي ستسوقها الوزارة لتبرر هذا التنقيل التعسفي بعد أن قدمت السنة الماضية مبررات عديدة ، كان أولها تقديم مبرر احتضان فضاء المعارض بالدار البيضاء للمستشفى الميداني لمرضى كوفيد، ولو أنه حينها كان مغلقا لما يزيد عن ستة أشهر. ثم ساقت الوزارة في تبرير ثان مسألة الدعم مشددة على أن مجلس جهة الرباط قدم دعما ماليا للمعرض بمبلغ 8 ملايين درهم، في وقت صرح فيه الوزير الوصي على القطاع بأن مجلس مدينة الدار البيضاء لم يقدم طيلة عقود أي دعم مالي للمعرض، وهو مبرر مردود عليه لكون مجلس مدينة الدار البيضاء كان يساهم في ميزانية استضافة ضيوف المعرض بالفنادق وفي حدود الطلب، كما أن وزارة الثقافة، ومنذ أولى دورات المعرض الدولي للكتاب في 1987 كانت تمول المعرض من ميزانية الوزارة، فما الذي استجد لتطلب الوزارة اليوم دعم مجالس المدن أو الجهات؟
ثالث المبررات التي قدمت، وربما كان الأكثر وجاهة من كل ما سيق من مبررات، هو اختيار مدينة الرباط عاصمة للثقافة الإسلامية السنة الفارطة.
وإن كنا استستغنا هذه المبررات «ودوزناها بشربة الما» أملا في عودة المعرض الى ترابه وفضائه، فإن واقع الحال يسائلنا عن الجديد وعن الفارق بين الفضاءين. فما أن تطأك قدماك معرض السنة الماضية حتى تفاجأ بفضاء لا يرقى لإقامة معرض دولي، وعليه أن ينظم بمواصفات دولية( رغم ملاحظاتنا على فضاء البيضاء كذلك وافتقاره لمجموعة من الشروط والدعوة الى الارتقاء به )، خيام منصوبة وأجنحة موضوعة، ناهيك عن غياب دور النشر الكبرى عن الدورة السابقة (روافد، المؤسسة العربية للدراسات، دار الطليعة اللبنانية، المركز القومي للترجمة المصري، منشورات مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث …) مما ترك فراغا بدا جليا ومرد ذلك غياب التنسيق مع شركات الشحن وتأخر التصاريح ، تقليص حجم الأروقة المخصصة لدور النشر لحساب أروقة المؤسسات،  بالإضافة الى أسعار الكتب المرتفعة، وعدد الزوار(202 ألف و89 زائر مقابل 500 ألف زائر في الدورة 16 بالدار البيضاء).
الندوات شكلت أيضا نقطة ضعف المعرض، حيث تم تخصيص قاعات (خيام بلاستيكية ضيقة لا تتسع للحضور الذي كان يجلس القرفصاء غالبا، أو يتابع الندوة وقوفا في غياب التهوية وهو ما يتعارض مع شروط السلامة والاحترازات ضد فيروس كوفيد الذي كان في أوجه انتعاشه شهر يونيو الماضي.
تغيير توقيت المعرض من فبراير الى يونيو كان له مايبرره السنة الماضية بسبب الوضعية الوبائية لحظتها، لكن ترسيمه في هذا الشهر للمرة الثانية، يطرح أكثر من علامة استفهلام لعل أولها هو أن جمهور المعرض يتشكل بالضرورة من الطلبة والكتاب ورجال التعليم أساسا، والذين سيكونون، لحظتها ، في فترة امتحانات إشهادية أو عادية مما سيحرم المعرض من زواره الأوفياء.
فما الذي قدمته الدورة السابقة حتى تصر الوزارة على نقل المعرض للرباط؟ ولعل السؤال الأهم والذي يحتاج الى إجابة من ذوي الاختصاص هو: لماذا يصمت مجلس مدينة الدار البيضاء عن هذا الترحيل القسري لإحدى معالم المدينة الثقافية التي أصبحت جزءا أصيلا من تراثها الثقافي اللامادي؟ هل مرد ذلك الى عدم اهتمامهم بالثقافة رغم التنصيص على أهميتها في تقرير النموذج التنموي الجديد واعتبارها آلية من آليات التنمية، أم أن هناك أشياء «إن تبد لكم تسؤكم».
نحتاج الى جواب.أما إذا استمر هذا الصمت دون تقديم توضيحات، سواء من مجلس مدينة الدار البيضاء أو من الوزارة الوصية، فلن نتفاجأ غدا بترحيل مهرجان كناوة من الصويرة أو مهرجان الفنون الشعبية من مراكش الى مدينة أخرى بمنطق « من يدفع المليون؟»

الكاتب : حفيظة الفارسي - بتاريخ : 13/01/2023

التعليقات مغلقة.