ملف الصحراء: دينامية سياسية في أفق أكتوبر المقبل

نوفل البعمري

 

يعيش ملف الصحراء، مع بداية شهر شتنبر وقرب الموعد الذي حددته الأمم المتحدة لمناقشة ملف الصحراء واستصدار قرار أممي جديد، تحركات سياسية جديدة إيذاناً بقرب انطلاق المناقشات الأممية للملف التي ستكون بدايتها بتقديم المبعوث الأممي للمنطقة ستافان دي ماستورا تقريره السياسي الثاني بعد ذاك الذي قدمه في يناير الماضي، وهو التقرير الذي سيتناول فيه، من جديد، تطور العملية السياسية وطبيعة التحركات التي قام بها لإنعاش الملف وإخراجه من حالة الجمود التي دخلها بعد إفشال وعرقلة النظام الجزائري لمهمة المبعوث السابق، الذي وصل إلى نقطة متقدمة على مستوى الموائد السياسية التي أشرف عليها، وكانت ستنتقل من مستوى مناقشة عموميات الملف إلى وضع جدولة واضحة للانتقال لمستوى متقدم من هذه المباحثات، كما سيُقدم رئيس بعثة المينورسو، بالموازاة مع ذلك، تقريرا سيرصد فيه الوضع الأمني بالمنطقة ودور بعثة المينورسو على مستوى حفظ الأمن والسلم شرق الجدار العازل، وهو التقرير الذي يؤكد على التحول النوعي الذي طرأ على مستوى ولاية بعثة المينورسو التي انتقلت من الولاية المدنية العسكرية، إلى الولاية العسكرية/الأمنية.
إعداد هذه التقارير وقرب تقديمها لمجلس الأمن هو ما دفع المبعوث الحالي إلى الإعلان عن انتقاله للمنطقة من أجل إجراء المباحثات السياسية مع مختلف الأطراف خاصة الطرفين الأساسيين المغرب والجزائر، اعتبارًا لكونها تعتبر تقارير تمهيدية لكل المناقشات والتحركات التي ستنتهي باستصدار قرار أممي في 29 أكتوبر المقبل، وهو القرار الذي سيتأسس على الخلاصات السياسية التي سيتم تقديمها سواء في تقرير ستافان دي ماستورا أو في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، دون أن نسقط من الحسابات مختلف التحولات الدولية الأخرى المرتبطة بالملف التي شهدها طيلة هذه السنة.
بالموازاة مع ذلك يبدأ وفد دبلوماسي أمريكي زيارة لمخيمات تندوف، حسب ما أعلن عنه موقع الخارجية الأمريكية، الوفد يقوده نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي جوشوا هاريس الذي سيعقد سلسلة لقاءات داخل مخيمات تندوف التي وصفتها صفحة الخارجية الأمريكية بتويتر بـ» تندوف الجزائرية»، في موقف سياسي يشير إلى أن هذه المخيمات تقع داخل الأراضي الجزائرية، ما يجعل من وجهة نظر أمريكية واضحة أن كل التحركات التي تتم داخل المخيمات سواء تعلق الأمر بالتهديدات الأمنية للمنطقة القادمة منها أو سرقة المساعدات الإنسانية والانتهاكات الحقوقية، التي تحدث بالمخيمات، هي من مسؤولية سياسية وقانونية للدولة الجزائرية، كما أن وصفها «بالجزائرية» فيه تأكيد على عدم اعتراف بأي كيان وهمي موجود داخل المخيمات، وهي الزيارة التي سيعقد فيها هذا الوفد لقاءات ليس فقط مع ممثلي تنظيم البوليساريو بل أيضا مع وكالات الأمم المتحدة التي تتواجد بالمخيمات، وستكون مناسبة لهم للاطلاع على العمل الذي تقوم به داخلها، خاصة على المستوى الإنساني، كما أعلنت عن ذلك الخارجية الأمريكية، كما سيتضح حجم عرقلة النظام الجزائري لعمل الوكالات الأممية، خاصة منها وكالة غوث اللاجئين، وما يصاحب هذه العرقلة من رفض لإحصاء ساكنة المخيمات وتمكينهم من بطاقة لاجئ مع كل الحقوق المكفولة للاجئين بموجب القانون الدولي.
التحرك الأمريكي يمكن وضعه في سياقه السياسي المرتبط بموعد استصدار القرار الأممي من طرف مجلس الأمن واعتبارًا لكون الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة القلم التي تُعد مسودة القرار الذي يُعرض على مجلس الأمن، وعليه فهي تقوم بهذه التحركات لمعرفة تطور الوضع بالمخيمات خاصة المرتبط منه بالجانب الاجتماعي والإنساني، نظرًا لارتباط هذه الجوانب بالوضع الأمني حسب ما سبق أن أشارت إلى ذلك قرارات مجلس الأمن السابقة، وهو ما أكدت عليه من خلال ربطها بين تردي الوضع الإنساني والاجتماعي الذي يغذي حالة اليأس بالمخيمات مع تزايد حالة الاستقطاب لهؤلاء الشباب اليائس من طرف التنظيمات الإرهابية والتكفيرية بمنطقة الساحل التي تعيش وضعًا غير مستقر من الناحية السياسية والأمنية.
التحركات الأممية والأمريكية التي يتم القيام بها بالمنطقة هي تحركات استباقية لموعد 29 أكتوبر المقبل، وإذا كان، على العموم، لا وجود لأية مؤشرات قوية عن حدوث تغير كبير على مستوى الوضع العام الذي يوجد فيه الملف أمميًا بفعل حالة المنطقة الرمادية التي دخل إليها وعدم قدرة المبعوث الحالي «للأسف» على حلحلة الملف، رغم الدعم السياسي الذي يحظى به من طرف الأمم المتحدة ومجلس الأمن بمختلف قواه، فإن ما يجعل المغرب ينتظر هذا الموعد وهو في موقع مريح، هي حالة الدعم السياسي التي تحظى بها مبادرة الحكم الذاتي التي يتزايد حجم الأصوات التي تعتبرها المبادرة الوحيدة الجدية وذات المصداقية والمستجيبة للمعايير السياسية التي وضعتها الأمم المتحدة لطي هذا الملف، هو دعم لا يقتصر فقط على شريك دون آخر بل يجده المغرب من طرف مختلف الدول الأعضاء بمجلس الأمن، خاصة تلك المتوفرة على حق «الفيتو» التي لم يسبق لأي بلد منها أن صوت ضد مسودة القرار التي تقترحها الإدارة الأمريكية بل كلها تصوت بالإيجاب عليه، ومن يخرج عن الإجماع يكون تصويته بالتحفظ (روسيا)، في إشارة إلى رفض مسطري حول احتكار الولايات المتحدة الأمريكية لصياغة مسودة القرار وليس تحفظا روسيا على مضمون القرار أو على مسار الملف.
من شهر شتنبر وصولًا إلى موعد استصدار قرار مجلس الأمن ستكون هناك مواعيد مختلفة مرتبطة بملف الصحراء، وهي مواعيد سينتظرها المغرب من موقع القوي بالدعم الذي يلقاه على مستوى الحل الذي اقترحه لطي النزاع، ثم أيضا على مستوى حجم الدعم الواضح لمغربية الصحراء الذي يتعزز بمواقف لدول لها وزنها وتأثيرها الاستراتيجي في المنطقة، لذلك أيا كانت التحركات التي سيتم القيام بها و»البروباغاندا» التي سيتم انتهاجها في مواجهة المغرب فإن هذا الأمر لن يغير من واقع أن الملف من الناحية الميدانية والسياسية والاجتماعية والإنسانية والحقوقية قد تم حسمه لصالح مغربية الصحراء ولصالح مبادرة الحكم الذاتي، وأن استمرار المغرب في التعامل إيجابًا مع المبادرات السياسية الأممية هو مجرد تأكيد على هذا الواقع السياسي الذي يتعزز مع كل قرار أممي جديد.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 04/09/2023

التعليقات مغلقة.