من العاصمة : إذا اغتال المتآمرون عمر، فكلنا عمر

محمد الطالبي

كان اغتيال عمر بنجلون لحظة صادمة في تاريخ المغرب، ليس فقط لأنه خسر رجلاً بحجم الوطن، بل لأنه كشف عن حجم الخوف الذي تثيره الأفكار النبيلة لدى قوى الظلام والتآمر. لم يكن عمر بنجلون رجلاً عادياً؛ كان رمزاً للوطنية الصادقة، وصوتاً عالياً في وجه الاستبداد، ومرآةً تعكس أحلام الطبقة الكادحة والمهمشين.
عندما امتدت يد الغدر إليه، كان الهدف واضحاً: إطفاء شعلة النضال وطمس صوت الحق. لكنهم نسوا أن عمر لم يكن مجرد جسد يسهل إسكاته، بل كان فكرة تنبض في كل مناضل، وروحاً تتجدد في كل من يحمل هم الوطن.
عمر بنجلون، الذي عاش مدافعاً عن العمال والمهمشين، لم يكن مجرد قائد سياسي، بل كان مشروعاً إنسانياً كاملاً. اغتياله لم ينهِ مسيرته، بل أعاد تعريفها. فقد تحول إلى رمز لكل من يرفض الظلم ويؤمن بأن التغيير يبدأ من الشجاعة، وأن الوقوف في وجه الطغيان هو واجب وطني لا خيار فيه.
إذا كان المتآمرون قد اغتالوا عمر بنجلون ظناً منهم أن النضال سيموت معه، فإنهم أخطأوا في حساباتهم. كل من يحمل اليوم شعلة التغيير وكل من يرفض أن ينحني للظلم هو امتداد لعمر. كل من يقف دفاعاً عن العدالة والمساواة هو «عمر».
اغتيال عمر كان اغتيالاً للحلم المغربي بمستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً، لكنه أيضاً كان نقطة تحول. لأنه علّمنا أن الفكرة أقوى من الرصاص، وأن من يعتقد أن الغدر ينهي النضال، لم يفهم دروس التاريخ.
اليوم، تزداد الحاجة إلى استحضار روح عمر بنجلون، ليس فقط كذكرى رجل قاوم الاستبداد، بل كمبدأ نعيش به. فالوطن الذي كان عمر يحلم به لن يتحقق إلا إذا أصبحنا جميعاً عمر؛ شجعاناً في الدفاع عن الحق، صادقين في خدمة الوطن، وملتزمين ببناء مجتمع يحقق كرامة الإنسان.
كلنا عمر حين نرفض الخوف، حين نرفع أصواتنا في وجه الظلم، وحين نؤمن أن التغيير الحقيقي لا يأتي إلا بالتضحية والإيمان. إذا اغتال المتآمرون عمر، فقد صنعوا آلاف عمر، الذين سيواصلون الطريق.

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 21/12/2024