من العاصمة ..  احتقار المغاربة ليس سياسة

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

نزلوا جماعةً، مدججين بأملهم، حاملين شكواهم. مشوا بأقدامهم المتشققة من قسوة التضاريس والسنين، من أعالي الجبال نحو السفوح، ثم إلى مكاتب تكلف ماليتنا غاليا من أجل إيجاد حلول، بحثًا عن قطرة ماء، عن ضوء كهرباء، عن أثر طريق، مشوا عشرات الكيلومترات، لكنهم لم يجدوا لا «شاوش» ولا برلمانيًا، لا عاملاً ولا وزيرًا.
هل أصبح الحصول على أبسط شروط العيش ضربًا من المستحيل؟ أبهذا الثمن تُطلب قطرة ماء؟ أبهذا العناء يُلتمس حق الوصول إلى الإنترنت أو حق مسلك أو طريق .
إنها ليست مطالب تعجيزية، بل أبسط ما يمكن أن تحققه حكومة تجبي الضرائب من جيوب هؤلاء البسطاء. فهل ضاق صدر الحكومة عن الوفاء بأدنى التزاماتها؟ أم أن «المواطنة» لا تُحسب إلا بالعناوين الكبرى، ولا تعني شيئًا عند سفوح الجبال وفي عمق القرى؟
هؤلاء المواطنون لا يطلبون امتيازات، لا يطالبون بمنح أو أعطيات، كل ما يريدونه هو الاعتراف بوجودهم كبشر، كبسطاء يحلمون بالحياة، لا أكثر.
ما نراه اليوم هو استهتار ممنهج، وتجاهل فجّ، وخطر حقيقي على السلم المجتمعي. إنها نار تُوقد في الهامش. ليست مجرد صور على الشاشات ولا فبركات الذكاء الاصطناعي، إنها الحقيقة، الصادمة، الحارقة.
إن غياب قنوات التواصل بين المواطن والإدارة، وانعدام الاستجابة الفعلية لمطالبه، ليس فقط علامة على فشل التدبير، بل هو بوابة مفتوحة على الفوضى والاحتقان واليأس الجماعي.
الخصاص ليس فقط في الماء والكهرباء والطرق، بل في الإرادة. في حسّ المسؤولية. في العدل الترابي. في الكرامة.
ما يقع في دواوير المغرب العميق ليس فرجة، وليس خبراً عابرًا. إنه اختلال بنيوي في علاقة الحكومة بالمواطن، في تعريف المواطنة، في أولوية الإنصات بدل الإقصاء.
فإلى متى نظل نعيد ذات الأسطوانة: «الحكومة في خدمة المواطن»؟ بينما الحقيقة على الأرض: «المواطن في خدمة صبره… فقط.»
وأخيرًا، وبعد أن كادت مالطا أن تصاب بالخراب، أنهت “مسيرة الكرامة والعدالة المجالية” التي نظمها أبناء دواوير أيت بوكماز، بإقليم أزيلال، مسارها الاحتجاجي السلمي، عقب استقبال عامل الإقليم لممثلي المحتجين، وتعهده بالاستجابة الفورية لجميع مطالبهم الأساسية.
وأكدت ما سمي  “اللجنة الإعلامية لانتفاضة الكرامة والعدالة المجالية بأيت بوكماز” أن عامل أزيلال استمع لانشغالات السكان، وعبّر عن استعداد السلطات الإقليمية لتنزيل كل المطالب في أقرب الآجال، مما أنهى المسيرة برفع “صوت العقل” وتغليب الحوار.
وفي بلاغ للرأي العام، عبّر أبناء أيت بوكماز عن شكرهم وامتنانهم العميق لكل من ساندهم في نضالهم السلمي، من الإعلام المغربي والقوى الديمقراطية والمنظمات الحقوقية، إلى عموم المتضامنين داخل المغرب وخارجه.
لكن، الخطير في الأمر أن عامل الإقليم لم يتحرك إلا بعد أن وصل المحتجون إليه، وكأن الحكومة لا تفهم إلا لغة الاحتجاج. فهل أصبح الصراخ هو السبيل الوحيد لنيل الحقوق؟ أليس في هذا مؤشر خطير على فشل التواصل المؤسساتي؟ أم أن الإنصات لم يعد من مهام من تم تنصيبهم لخدمة الناس؟
إن ما حدث في أيت بوكماز درس… وعلى من في يدهم القرار أن يُصغوا جيدًا قبل أن يصبح الصمت العام عنوانًا لانفجار قادم.

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 12/07/2025