من العاصمة .. اختفاء 200 ألف مغربي في ظرف سنة

محمد الطالبي

 

عودنا المجلس الأعلى للحسابات على ضبط أرقامه ومعطياته، وفق تحليل يشي بما كان خفياً من خلال الأرقام، وعن نوازل الميزانيات لتعلم قاعدة الحساب والمحاسبة حول فواتير يؤديها المواطن بلا حسيب ولا رقيب.
تلك الأرقام المحاسبية التقنية أسقطت عدداً من الرؤوس ومن الحسابات ومن الأوهام، وأيقظت المغاربة على رؤوس اغتنت من المال العام ومن الهواء العام دون خجل ووجل وتلك حكايات زمن الفساد السياسي الذي يقول «خذوني» ..
وسُجل أخيراً للمجلس الأعلى للحسابات أنه إذا كان الهدف المعلن لبرنامج الحماية الاجتماعية هو بلوغ ثلاثة ملايين ونصف منخرط، فإن الرقم الذي أعلنه تقرير المجلس الأعلى للحسابات، والذي توقف عند 1.6بدل مليون و800 ألف منخرط سنة قبلها، يدفعنا للتساؤل: أين ذهب مليونا منخرط بداية كطموح معلن ؟
وعلى الأقل، وبمقارنة بالتقرير السابق، أين ذهبت 200 ألف منخرط، والتي تبخرت في الهواء الطلق وخارج الحسابات وخارج الأرقام وخارج التقارير؟ فهل اختلطت الأرقام على المجلس الذي أشاد بارتفاع نسبة أداء المنخرطين دون ربطها بعدد المفقودين ؟
هذا الفارق الكبير بين التوقعات والواقع يثير الشكوك حول آليات استقطاب الفئات المستهدفة. هل يعكس الرقم غياب الثقة في المنظومة؟ أم أنه نتيجة ضعف في التحسيس بأهمية الانخراط؟ أم أن هناك فجوة حقيقية بين الحاجيات المعلنة والقدرة الفعلية للحكومة على تلبية هذه الاحتياجات وكذا توفير عرض صحي حقيقي في الواقع وليس مجرد أرقام وبنايات بلا اطر ولا تجهيزات تقنية أي بلا روح ؟
الأخطر من ذلك أن التقرير يكشف عن ضعف نسبة استخلاص الاشتراكات، في وقت بلغت فيه النفقات مستويات قد تهدد النظام بالعجز. هذا الوضع لا يشير فقط إلى فشل في استقطاب العدد المطلوب، بل إلى خلل هيكلي في حكامة المنظومة ككل.
لتجاوز هذه الأزمة، لا بد من إعادة النظر في طريقة تدبير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتطوير القطاع الصحي العمومي، ليكون قادراً على استيعاب احتياجات المنخرطين. كما يتطلب الأمر مراجعة شاملة لآليات التحصيل، واعتماد سياسات تحفيزية تُشجع الفئات المستهدفة على الانخراط، الأسئلة الحقيقية التي يجب أن نجيب عنها: هل تمتلك الحكومة إرادة حقيقية لإنجاح هذا المشروع؟ وهل تملك القدرة على توفير آليات تضمن ديمومته؟ أم أننا نسير نحو أزمة جديدة قد تُجهض حلم الحماية الاجتماعية قبل أن يتحقق؟
هل الأغلبية الحكومية تملك أصلاً مشروعاً اجتماعياً ينسجم وطروحات الدولة الاجتماعية والبديل الاجتماعي المنشود؟ وهل فعلاً استوعبت النخب الجديدة المتنفذة في المشهد السياسي المغربي أن لا إصلاح بدون مصلحين، وأن لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين، وأن الوطن يُبنى بنموذج الوطنيين؟

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 18/01/2025