من العاصمة .. التفاهة لا مستقبل لها في كل المجالات

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

تكررت حالات الاحتجاج على الوضع الصحي المأساوي، حتى أصبحت الصحة نفسها مرضًا مستعصيًا يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة من طرف مختصين وإمكانيات متطورة، لم تتوفر مع هذه الحكومة.
فعوض أن تنكب على الإصلاح، تكتفي الحكومة بتبرير الوضع بأنه «إرث قديم»، وهي الوصفة الجاهزة التي يرددها بعض المحسوبين على دوائر التأثير في الرأي العام الذين يزينون التفاهة وجعلوها حرفة لخدمة اسيادهم .
لكن الواقع كان أقوى، إذ خرج الناس من القرى والمداشر والمناطق الجبلية للاحتجاج، في شكل إنذارات واضحة للتحالف الثلاثي، الذي لم يستطع الاستجابة لتوجيهات جلالة الملك، الرافض لفكرة أن يسير المغرب بسرعتين، في كل المجالات وكل المناطق وعوض التعجيل بحلول يتباكون ومعاول الهدم لم تتوقف لضرب كل ما بناه الوطنيون في هذه البلاد .
ولأن من لا تاريخ له لن يصمد أبدا وللأبد
للأسف، تحوّلت المصلحة العامة في مختلف القطاعات، من الصحة والتعليم والفلاحة والإعلام ، إلى مشاريع تجريبية، بل وأحيانًا إلى مواقع للزبونية والامتيازات، يستفيد منها بعض المقربين الذين يسهلون الوصول إلى المال العام، ويعملون على ترويض المواطنين ضمن عملية سياسية مركبة، تسعى لتحويل المواطن إلى مجرد مستهلك، بلا قدرة على التأثير أو القرار.
بات واضحًا أن هناك من يراهن على احتقار المواطن وجسّ نبضه في الصبر والتحمّل، وكأن هذا المواطن قد أصبح مسلوب الإرادة، مستسلِمًا لواقع يُراد له أن يكون دائمًا جامدا .
يُروَّج لهذا الوهم من خلال ما يُسمّون بـ»المؤثرين»، الذين لا يُمثلون سوى أدوات تخدير جماعية، وسموم إعلامية مدسوسة في الجسد المغربي، هدفها قتل المعنويات واستكمال ما عجزت عن فعله باقي أصناف المخدرات.
في المقابل، تُقمع أدوات المقاومة السلمية المجتمعية، وعلى رأسها الإعلام والمجتمع المدني والنقابات، الامر الذي تحول في كثير من الأحيان إلى مجرد صدى لأصوات غريبة لا تشبه أنين المغاربة، ولا تحمل غير لغة التفاهة والتخدير. وهكذا، يُصبح المواطن ضحية مرتين: مرة بسبب الواقع المأساوي، ومرة بسبب تزييف هذا الواقع إعلاميًا.

وفي وقت تنفجر فيه الفضيحة تلو الأخرى، من داخل قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، يبدو أن الحديث عن الإصلاح الحقيقي لم يعد ممكنًا إلا من خلال تعديل سياسي جريء، يمر عبر انتخابات نزيهة تُبنى على معايير سلامة عالية المنسوب ، تعيد الثقة للمواطن، وتفتح أفقًا جديدًا للمحاسبة والتغيير.
لا يمكن أن يكون منسوب الكذب المرتفع أسلوبًا للإقناع، لأن في ذلك غيابًا صارخًا للحس الوطني، وقطعًا لأواصر الارتباط الصادق بالوطن.
فمن يوجّهون أعينهم نحو المال العام، وتغلب عليهم الأنانية الفردية، ويستمرون في استنزاف الوطن لمصالحهم الضيقة، ليسوا سوى عابرين، يتزيّنون برداء الوطنية الزائفة لتبرير فسادهم.
إن الوطن لا يُبنى بهؤلاء، بل يُبنى بأصحاب النفوس الكبيرة، الذين يُفكرون في مستقبل المغرب، واستقرار مؤسساته الشرعية والتاريخية، ويضعون المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
أما أولئك الذين جعلوا من التفاهة أسلوبًا، ومن الجشع طريقًا، فلن يكون لهم مكان في مستقبل هذا الوطن.
لأن للوطن مستقبلًا… خارج التفاهة.

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 20/09/2025