من العاصمة : التفرقيش.. فضيحة الدراجات تكشف عورة السياسات الحكومية وتفضح التغول

محمد الطالبي
فضيحة الدراجات النارية في المغرب تكشف فشل الحكومة في حماية المواطنين البسطاء، مع تفشي التهريب والفوضى، وتحويل «التفرقيش» إلى ممارسة سياسية واقتصادية تؤثر على ملايين المغاربة. المسؤولية القانونية تقع على المركز الوطني للاختبارات والتصديق، بينما المستفيدون الحقيقيون يزدادون غنىً ونفوذًا، والمشتري البسيط هو الضحية.
وفضيحة «النجاة»: تشير إلى فضيحة وطنية سابقة أثارت ضجة كبيرة في المغرب بسبب فساد وخرق للقوانين أثر على قطاع وشريحة واسعة من المواطنين، وأصبح رمزًا للفضائح الكبرى التي تُشبهها الملفات الحالية،
وأما «التفرقيش» فهو مصطلح شعبي يُستخدم لوصف عمليات التلاعب والفوضى الإدارية والسياسية التي تُمكّن شبكات أو أطرافًا نافذة من تحقيق مصالحها الخاصة على حساب المواطنين البسطاء، سواء عبر توزيع الثروات بطريقة غير عادلة أو تجاوز القوانين والمعايير الرسمية.
نحن اليوم أمام فضيحة من العيار الثقيل، ليست مجرد «دراجات نارية»، بل مرآة صادمة لواقع مغربي تتقاطع فيه الفوضى مع التغول، والفساد مع سياسة الحكومة، وسلب حقوق المواطنين البسطاء مع حماية أرباح شبكات التهريب. إنها نسخة جديدة من «النجاة»، لكن هذه المرة داخل الحدود الوطنية، حيث لا مجال لحلم الهجرة، بل مأساة ملموسة لكل من يعتمد على الدراجة النارية وسيلة وحيدة للعيش والتنقل.
أكثر من مليوني مغربي يواجهون تبعات هذه الفضيحة، وهم الذين وجدوا في الدراجات النارية حلًا عمليًا لأزمات النقل في القرى والمدن على حد سواء. في القرى، أصبحت الدراجة البديل الواقعي للدواب والحمير، وفي المدن الوسيلة المثلى لتفادي الاختناقات المرورية، نقل أفراد الأسرة، وتأمين لقمة العيش اليومي. لكن المفارقة المروعة أن الحكومة لم توفر حماية قانونية لهم، بل صارت مطاردة المواطن البسيط أداة رسمية لمحاسبته، بينما المستوردون والباعة والمستفيدون من الفوضى يزدادون ثراءً ونفوذًا دون أي مساءلة.
الخطير أكثر، أن التغول السياسي والاقتصادي صار الراعي الرسمي لشبكات «الفراقشية» في كل المجالات. هذا التغول لم يعد سلوكًا هامشيًا، بل تحول إلى سياسة حكومية غير معلنة، تنتج لغة جديدة تصف الواقع: «التفرقيش»، هذه الظاهرة ليست مجرد مصطلح شعبي، بل أداة سياسية واقتصادية، مهددة بأن تتحول إلى شعار انتخابي موحد في الاستحقاقات المقبلة، يجمع تحالفات تحت عنوان واحد: التغول بالفوضى والإثراء غير المشروع، على حساب حقوق ملايين المواطنين.
هذا التغول لم يكتفِ بتهميش القانون، بل تجاوز كل الحدود، عبر تدليس جماعي مورِس على شعب من الزبناء، اقتنوا منتوجًا بثقة كاملة، بعد أن فشلت الحكومة في إنتاج دراجة نارية وطنية بمعايير محلية وجودة تنافس الصناعات المغربية في السيارات والطيران. بل وصل الأمر حد إقحام مؤسسات الحكومة: الأمن، الدرك، القضاء، المحاجز البلدية، في معركة غير مؤسسة على العدل، حيث يتم ملاحقة المشتري البسيط وتجريده من حقه في التنقل والعمل، بينما المستفيدون الحقيقيون يزدادون غنىً ونفوذًا، ويُشرعن لهم «التفرقيش» يوميًا، أمام صمت أو تواطؤ رسمي.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل دخلت أصوات محسوبة من دوائر حكومية على الخط، مهاجمة وزارة النقل ومديرياتها، محذرة من أن وقت الحساب بات قريبًا، ومشددة على أن الفضيحة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالاحتساب الانتخابي، حيث تصبح الأصوات هدفًا استراتيجيًا، ما يجعل القضية ليست مجرد دراجات، بل أداة للسياسة الانتخابية والتأثير على موازين القوة،
وفي تصعيد جديد، وصل الأمر إلى حد أقصى من تضارب المصالح داخل التحالف الحكومي، حيث قرر رئيس الحكومة تعليق عملية تفتيش الدراجات بعد أيام من تحميل حليفه في الحكومة مسؤولية القرار بالكامل، بعيدًا عن أي تضامن حكومي، في وقت ما زال الحزب صاحب القطاعات المعنية صامتًا، متجنبًا أي موقف واضح، ما يعكس ازدواجية المعايير وتعميق الفوضى السياسية حول الملف.
المركز الوطني للاختبارات والتصديق، التابع لوزارة النقل، هو الجهة الوحيدة المخولة قانونيًا بالمصادقة على المركبات، سواء حسب النوع أو بصفة منفردة، وفق المادة 89 من المرسوم رقم 2.10.421. المركز يتحمل كامل المسؤولية عن دخول الدراجات الصينية غير المطابقة للقوانين، إذ من غير الممكن أن تُطرح في السوق دون المرور بمسطرة المصادقة، التي تهدف إلى التحقق من امتثال المركبات للقوانين الجاري بها العمل وضمان مركبات أكثر أمانًا وأقل تلويثًا.
غير أن الواقع يكشف خللًا صادمًا: آلاف الدراجات الممنوعة تتجول في الشارع المغربي، فيما المشتري البسيط هو الذي يُحاسب ويُجرم، بينما المستفيدون الحقيقيون يزدادون نفوذًا وغنىً بلا أي مساءلة.
هذه ليست مجرد فضيحة دراجات نارية، بل مرآة عارية للفساد والفوضى، تكشف كيف صارت السياسات الحكومية غير قادرة على حماية المواطنين البسطاء، وكيف يُكرس التغول، ويُشرع «التفرقيش»، على حساب حقوق ملايين المغاربة الذين وجدوا في الدراجة وسيلة للعيش، ليصبحوا اليوم ضحية منظومة مختلة لا عدل فيها، ولا مساءلة، ولا أي رؤية لحماية حقوقهم وحقهم في وسائل نقل آمنة وموثوقة.
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 23/08/2025