من العاصمة .. الجزائر و جرح التهجير القسري
محمد الطالبي talbipress@gmail.com
في سجل تاريخ العلاقات بين المغرب ودولة الجوار الجزائر، هناك محطة سوداء تظل شاهدة على لحظات من الظلم والإجحاف. من بين هذه المحطات، ما قامت به الدولة الجزائرية عام 1975 عندما عمدت إلى طرد ما يزيد عن 45 ألف عائلة مغربية بشكل تعسفي ومن دون سابق إنذار. هذه الحادثة، التي وقعت في أجواء عيد الأضحى المبارك، تظل جريمة إنسانية لا يمكن تبريرها أو نسيانها.
هذا الجرح ظل مفتوحًا رغم مرور السنين؛ لأنه نُفّذ بيد غادرة، بيد آثمة، وبضمير قتل الإنسانية في الإنسان.
لقد كان المسار المغاربي قائمًا على دم مشترك من أجل التحرير ونفض غبار الاستعمار، ومن أجل تكامل مغاربي تكون نواته الصلبة المغرب والجزائر وفق تصور معجزاتي بأن تكون منطقتنا شامخة اقتصاديًا، اجتماعيًا، ثقافيًا، وعلى المستوى الحضاري، لأن هنا، في مغربنا الكبير، كل إمكانيات الطبيعة متوفرة برًا وبحرًا وجوًا.
لقد استهدفت السلطات الجارة عائلات مغربية كانت تقيم على أراضيها بصفة شرعية لعقود، بل وكان لبعض أفرادها دور مشهود في مقاومة الاستعمار الفرنسي. ورغم هذه الأواصر التاريخية، اختارت الجزائر أن تمعن في قسوتها، ضاربة عرض الحائط بكل القيم الإنسانية. لقد تم تفريق الأرحام عوض تجميعها، وترك الناس إلى اليوم يبكون من خلف أودية وسهوب وحدود وهمية على حلم فرقته الأسلاك الشائكة، وعن أسر تعتصر ألمًا وحرقة وهي ترسم رسائل الحب والصمود عبر الرياح، عبر الصراخ، وسومًا، وأوراقًا، وأيادي تنثر قبلات في هواء أرادت جارتنا خنقه.
وحدها الطيور والأسماك بإمكانها اليوم العبور عبر الحدود بفعل سياسة لا تؤمن بشعار “خاوة خاوة” واليد الممدودة.
حين التهجير القسري وقطع الأرحام لم يكن سني يسمح بمعرفة حقيقة الأمور، إذ كان عمري حينها أربع سنوات، واليوم وأنا كهل، وبما راكمت من تجارب حياتية، ضمنها بعض الاطلاع والمعرفة، أجد الأمر رهيبًا، والحكايات التي يتداولها المطرودون تتجاوز التطهير العرقي والتنكيل والممارسات العنصرية.
لقد تحولت هذه المأساة إلى ذاكرة حية، تذكر العالم بفظاعة جريمة نُفذت ضد المنطق، ضد اللغات المشتركة، الأديان المشتركة، والجغرافيا، دون أن ننسى هذا التنوع البشري الممتد في كل الآفاق وحتى امتدادنا في عمق إفريقيا. إن جرح العائلات المغربية المهجرة من الجزائر سيظل شاهدًا على مأساة إنسانية تحتاج إلى معالجة عادلة، إلى لمسة إنسانية تتصالح مع الماضي.
لست من دعاة الانتقام والفتنة ولا الحروب. ما جرى صار من الماضي، فقط الاعتراف سيكشف أن إرادة المغرب الكبير، مغرب التكامل والأمل والمستقبل والاستقرار، ممكنة.
الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 14/12/2024