من العاصمة..الحكومة تحولنا الى عاشبين

محمد الطالبي
في بلد يُعرف بوفرة خيراته، أصبح المواطن المغربي عاجزًا عن تأمين قوت يومه بسبب موجة الغلاء التي ضربت جميع المواد الأساسية. بعد أن كان السردين مثلا و المعروف بأنه «سمك الفقراء»، في متناول الجميع، صار سعره خياليًا بسبب احتكار الوسطاء والمضاربين، الذين يشترونه من الموانئ بثمن معقول ثم يعيدون بيعه بأضعاف سعره حتى عشر مرات دون حسيب أو رقيب.
المفارقة الكبرى أن بلدنا وهو من كبار مصدّري الأسماك عالميًا، يعاني مواطنوه من الغلاء وكأنهم يعيشون في بلد هجره البحر. وإذا كان السردين، الأكثر وفرة، قد بات غير متاح لذوي الدخل المحدود، فما بالك بالأسماك الأخرى مثل الشرن، الميرلا، الروجي، والكلمار، التي أصبحت من الاحلام والاماني وان العادي هو هجرتها الفعلية من الماءدة المغربية .
لكن الأزمة لم تقتصر على الأسماك فقط، فقد طالت اللحوم الحمراء والبيضاء على حد سواء، حيث شهدت أسعارها ارتفاعًا صادمًا جعلها شبه مستحيلة على موائد الطبقة المتوسطة وما دونها. المواطن الذي كان يعتمد على الدواجن كبديل عن اللحوم الحمراء لم يعد يجد فيها خيارًا مناسبًا، بعدما قفزت أسعارها بشكل غير مسبوق.خيث نفس السيناريو المتكرر: ارتفاع غير مبرر في تكاليف الإنتاج، تحكم كبار المنتجين في السوق، وغياب أي تدخل فعال من الجهات المسؤولة لضبط الأسعار.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد ليشمل الخضر والفواكه، التي أصبحت بدورها سلعة نادرة داخل الأسواق المحلية بسبب نقص الإنتاج، وترك السوق في يد لوبيات لا تفكر إلا في الربح السريع على حساب القدرة الشرائية للمواطن. لا يوجد أي مبرر مقنع لهذه الأزمة، خاصة في بلد يملك إمكانيات فلاحية وبحرية هائلة. الحلول واضحة ومتاحة، لكنها تتطلب إرادة سياسية حقيقية لإعادة التوازن إلى السوق، من خلال فرض رقابة صارمة على المضاربين، دعم الإنتاج المحلي لان فيه ضمان الاستقرار والتوزان الديموغرافي في ضل تناني الهجرة القروية بشكل غير مسبوق . إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن النتيجة الحتمية ستكون مزيدًا من الاحتقان الاجتماعي والغضب الشعبي، فإلى متى يستمر هذا العبث؟
الوضع أصبح مقلقًا إلى حد لم يعد يُطاق، وكأننا في طريقنا لنصبح شعبًا عاشبًا لا يجد أمامه سوى النباتات لسد رمقه، بعد أن باتت اللحوم والأسماك والخضر والفواكه خارج متناول الفقراء وحتى الطبقة المتوسطة.
الأخطر من الغلاء نفسه هو الشعور السائد بأن الحكومة لم تعد تكترث لمعيشة مواطنيها، وكأننا مجرد أرقام في معادلات اقتصادية لا مكان فيها للإنسان. المغاربة، وخاصة البسطاء منهم، أصبحوا يشعرون أنهم غير مرغوب فيهم، لأنهم يشكلون عبئًا على «التوازنات المالية» التي تضعها الحكومة فوق كل اعتبار. كأن المطلوب هو أن نصمت ونتأقلم مع الغلاء، بينما تستمر الفئات الميسورة في العيش برفاهية على حساب الأغلبية الساحقة.
لسنا طارئين على هذه الأرض، ولسنا عالة على هذا الوطن. نحن أبناء هذا البلد، بأرضه وسمائه وبحره، ولنا كامل الحق في العيش بكرامة. لكن ما نراه اليوم هو سياسة تجعل من المواطن مشكلة بدل أن يكون شريكًا في بناء اقتصاد متوازن .
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 01/03/2025