من العاصمة .. الحكومة ودرء الشبهات

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

تساؤلات تتجاوز حدود النقد لتلامس الشبهات، تطال أعضاء وعضوات الحكومة، وتضرب في عمق الثقة التي ينبغي أن تحظى بها المؤسسات التنفيذية. وفي كل مرة، يُقابل الأمر إما ببيانات تكذيب فردية، أو باللجوء إلى القضاء، في مسار يبدو وكأنه يختزل العمل الحكومي في رد الفعل لا في الفعل المسؤول.
النشر، قانونًا وشرعًا، حق مكفول ومؤسس على ضوابط اخلاقية في الأصل، والمتابعة القضائية متاحة للجميع من الغفير الى الوزير بلغة الاشقاء في أرض الكنانة، لكن الغريب أن تتوالى هذه المتابعات وكأنها أصبحت جزءًا من الممارسة اليومية، دون أن تقنع الرأي العام بأنها إجراءات لتصحيح الاختلال ودرء الشبهات، أو لفرض سيادة القانون، بل بدت في كثير من الأحيان وكأنها محاولات لإسكات الصوت أو تحجيم السؤال.
الأخطر من ذلك أن الحكومة، كمؤسسة يفترض فيها التضامن، لم تحرك ساكنًا لإعلان موقف مما يروج حول أعضائها، بل التزمت صمتًا مريبًا، كأنها تتفرج عليهم وهم يُستهدفون، أو كأن الأمر لا يعنيها. والتبعات السياسية لما يقع لا تقتصر على الأشخاص المعنيين، بل تمس صورة الحكومة ومشروعها، بل تمس فكرة الفعل السياسي نفسه. والأهم صورة البلد/ صورة الوطن/ صورة المغرب.
ووسط كل هذا، لم نسمع إلى اليوم رأيًا صريحًا أو موقفًا شجاعًا من أحزاب التحالف الحكومي. لم تُصدر الأحزاب المعنية مواقف تُذكر، لا دفاعًا عن القانون، ولا عن المروءة السياسية، ولا حتى عن المنطق. اكتفت بالصمت، وكأنها في عطلة سياسية دائمة.
هذا الصمت لا يفتح فقط أبواب التأويلات، بل يُفهم لدى جزء من الرأي العام كنوع من التواطؤ أو على الأقل، الهروب من المسؤولية. أين هذه الأحزاب من سيل الاتهامات التي تكاد تنحصر في ملفات المال العام، واستغلال النفوذ، وتحقيق منافع خاصة؟
قد يكون بعضها غير دقيق، أو مغرضًا، أو ناتجًا عن تحامل مقصود، لكنه مع ذلك يطفو على السطح من داخل البلاد، ومن داخل المؤسسات، بل من داخل النفوس.
إن ما يقع اليوم يستوجب شجاعة المواجهة، لا شراسة الإنكار، ويتطلب استعدادًا لتحمل ثمن السياسات والقرارات، خاصة حين تكون غير موفقة، أو غير منصفة، أو منحازة لمصالح ضيقة.
إن الصمت الجماعي لا يسيء فقط إلى العمل الحكومي، بل يسيء إلى كل ما راكمه المغرب من مكتسبات منذ أن طوى صفحة الانتهاكات، ودشّن مسارًا للمصالحة والعدالة الانتقالية، صفق له العالم، وتعامل معه المغاربة بوعي كبير.
ولذلك، فإن الوطن، وهو يتطلع إلى بناء ديمقراطية فعلية، وعدالة اجتماعية حقيقية، لا يحتاج إلى أحزاب تختبئ خلف الصمت، بل إلى أحزاب تواجه، وتبرر، وتعتذر إن لزم الأمر، وتحاسب نفسها قبل أن يُحاسبها التاريخ.

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 26/07/2025