من العاصمة .. الرياضة والانتخابات زواج حرام

محمد الطالبي talbipress@gmail.com
نعيش اليوم لحظة مفارقة تاريخية في مسار الرياضة المغربية. فمن جهة، نُراكم انتصارات تنظيمية ومكاسب كبرى، أبرزها نيل شرف تنظيم نهائيات كأس العالم 2030 بشراكة ثلاثية، والاستعداد الحثيث لاحتضان كأس إفريقيا للأمم 2025، مع ما يرافق ذلك من تعبئة وطنية شاملة لتأهيل البنيات التحتية، وتطوير الملاعب، وتوسيع شبكة الطرق والفنادق والمرافق الحيوية. كل هذا يعكس طموح وطنٍ صاعدٍ إلى مصافّ الكبار، مؤمنٍ بقدراته، ومصرٍّ على أن تكون الرياضة أحد أعمدة نهضته الجديدة.
لكن، في الجانب الآخر من الصورة، وفي زوايا مظلمة داخل المؤسسات والأندية، ما زالت وجوه قديمة ترفض أن تغادر المشهد، وجوه اقترنت أسماؤها بالفساد، والمصالح الضيقة، والمناورات الصغيرة. هم أنفسهم من تحدّث عنهم رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بلغة لا تخلو من ألم: البؤساء ما زالوا مختبئين في رياضتنا، يقتاتون على الهامش، يعرقلون كل إصلاح، ويساهمون بصمتهم وتحركاتهم في تشويه الحلم الجماعي للمغاربة.
إنه لأمرٌ غير معقول، بل ومؤلم، أن نجد أنفسنا نُعدّ الطرق السيارة والفنادق الفاخرة والملاعب النموذجية، بينما لا نزال مضطرين للتعامل مع عقليات متكلسة، وأشخاص باتوا عنوانًا للفشل والتواطؤ. ليس من الوطنية في شيء، ولا من روح المواطنة، أن يظل هؤلاء في مواقع القرار، رغم ما تراكم ضدهم من شُبهات وفضائح، وآخرها ما يرتبط بـ»سمسرة المقابلات» وتضارب المصالح داخل مجالس منتخبة، كما هو الحال في القضية التي فجرها توقيف نائب رئيسة جماعة مكلف بالرياضة.
نحن، كمواطنين، ندفع من جيوبنا، ومن سمعة بلدنا، ومن وقتنا، ومن أحلام شبابنا، فاتورة هذا الخلل العميق، وهذا التواطؤ الذي يبدو أحيانًا محميًا بالصمت، وأحيانًا أخرى مغلفًا بالحسابات السياسية.
إن المغرب الجديد الذي نحلم به، لا يمكن أن يُبنى بنفس العقول التي خربت الرياضة لسنوات. لا يمكن أن نرفع أعلامًا ونُنشد الأناشيد في المدرجات، بينما يتولى تدبير الشأن الرياضي من لا علاقة لهم لا بالكفاءة، ولا بالنزاهة، ولا بحب الوطن.
لقد آن الأوان لقولها بصوت مرتفع: اخرجوا من رياضتنا، ومن أحلام شبابنا، ومن مستقبلنا الرياضي. اتركوا المجال لمن يملكون رؤية حقيقية، ومصلحة عامة، وحسًا وطنيًا خالصًا. دعونا نبني رياضة تعكس طموح أمة، لا وسيلة انتهاز لمواقع ومصالح ومكاسب ظرفية.
الرياضة ليست مجرد نتائج أو ملاعب، بل منظومة أخلاق، ومرآة تعكس من نكون، وتخبر العالم بمن نحن. وحين تختلط بالرياضة السياسة الفاسدة، والمال المشبوه، والصفقات المشينة، فإنها تتحول من أداة بناء إلى أداة هدم.
فلتكن هذه الفضيحة لحظة صحوة. ولتكن بوابة تطهير، لا مجرد زوبعة إعلامية سرعان ما تُطوى في أرشيف النسيان.
الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 31/05/2025