من العاصمة : الضريبة والمواطنة

فجأة أعلنت الحكومة النفير للأجهزة المالية من إدارة الضرائب والبنوك لتقديم خدمة عمومية تستهدف جلب الأموال للخزينة من طرف المواطنين والمواطنات تحت يافطة عفو مشمول بأداء نسبة بسيطة عن الأموال التي تدخل الخزينة بنسبة 5 في المائة.
لكن ما حدث مع الإعلان عن العفو الضريبي تجاوز كل التوقعات. حالة من الرعب والارتباك انتشرت في صفوف المواطنين، ولم تقتصر على داخل الوطن، بل طالت مغاربة العالم أيضاً، بسبب غياب رؤية واضحة وأسلوب تواصلي حكيم من طرف الحكومة.
لكن في الواقع، الطريقة التي طُرح بها أحدثت نتائج عكسية. فبدلاً من أن تطمئن الحكومة المواطنين، جاء الإعلان عن القرار كالصاعقة، بلا تفاصيل كافية ولا تدرج في الشرح، ما جعل كثيرين يقرؤون فيه رسائل مبطنة عن استهداف أموالهم ومدخراتهم.
حكومة رجال الأعمال والمال الجدد اهتمت بالأرقام ولم تهتم بالجوهر والذي هو نيل ثقة المواطن واقتناع المواطن وليس الترهيب بدفع 37 في المائة للمتخلفين عن هذا «الصولد» الضريبي الذي يتساوى فيه الجميع ولا يستفيد منه الجميع حسب مصدر الأموال. ثم إن هناك حديثاً عن مواطنين هرعوا لإنزال أموالهم خوفاً من دفع 37 في المائة في حالة تخلفهم، وهم أصلاً في حالة عادية لا تستوجب أن يدفعوا أصلاً أي مقابل.
الحكومة لم توضح بشكل دقيق حجم الأموال التي تستهدفها، ولا النسبة المتوقعة من المواطنين المتأثرين. التصريحات الرسمية تحدثت عن «ملايين الدراهم» من الأموال غير المصرح بها، لكنها لم توضح الفئات المعنية أو القطاعات التي ستستفيد من هذا العفو.
وتداولت جهات خفية أرقاماً عما ستجنيه إدارة الضرائب بشكل يتجاوز حتى قيمة النقد المغربي المتواجد في السوق، ولا يصل إلى 540 مليار درهم حسب بنك المغرب الوصي على العملة المغربية.
اتصالات مغاربة العالم قبيل إغلاق السنة الماضية تمحورت حول وضعية مدخراتهم بالمغرب وبالضبط لدى الأسر أو البنوك. سجلت شخصياً حالة ذعر لدى العديد منهم، وأثير بأنهم مستهدفون وأنهم مجرد أرقام في معادلة ضريبية، مما قد يدفعهم إلى إعادة التفكير في علاقتهم بالوطن، وهو أمر لا يمكن لأي حكومة أن تتحمله ولا يمكن السماح به.
وكما أسلفت، فإن التواصل الحكومي لن يكون ناجعاً في ظل تحجيم الإعلام الوطني بقطاعيه الخاص والعمومي وتركه يئن في ظل الفوضى والعشوائية وانعدام الإمكانيات المادية والبشرية، وبالأحرى مواكبة التقلبات الجذرية في ظل الذكاء الاصطناعي وفورة وسائل التواصل الاجتماعي.
والأمر لا يقف هنا؛ فمصداقية الحكومة لدى الرأي العام بالأفعال لا بالأقوال، وبالاتزان لا بالاختلالات، هي مصدر الثقة لدى المواطن، وهي ضمان انسياب المعلومة من الحكومة إلى المواطن ومنه إلى الحكومة عبر وسائل حقيقية. ويبقى المواطن مواطناً، والضريبة ضريبة لا تجب إلا حين تجب !