من العاصمة .. الفساد الانتخابي قاتل للأوطان
محمد الطالبي
ما أشار إليه عبد الوافي لفتيت في ترافعه عن المنتخبين يكشف عن توتر واضح بين الواقع الانتخابي والأداء الإداري في المغرب. ورغم تأكيده أن القضايا المتعلقة بالفساد لا تتجاوز 1% من المنتخبين، فإن ذلك لا يعكس الصورة الكاملة للأزمة التي يعاني منها النظام السياسي. فالغضب الشعبي تجاه المنتخبين لا يقتصر على قضايا الفساد فقط، بل يشمل أيضًا ضعف الأداء السياسي والتدبيري على كثير من المستويات، مما يفتح المجال لانتقادات واسعة لا تتعلق بالأفراد بقدر ما تتعلق بالمنظومة ككل.
تصريحات الوزير تشير إلى أن نحو حوالي 400 منتخب بين المدانين والمتهمين فقط من أزيد من 34ألف منتخب ومنتخبة وقد لا يشكلون نسبة مهمة، لكن الخطورة تكمن في أن العديد منهم محكومين مدانين أو قيد الاعتقال، ساهموا بشكل كبير في صناعة الخريطة الانتخابية الحالية، حيث شكلوا أغلبية في المؤسسات السياسية، دون أن تترتب عن محاكماتهم أو الاعتقالات أي تداعيات أخلاقية أو سياسية، والأغرب أن بعض الأحزاب تتعامل مع الأمر وكأنه لم يكن له تأثير، مما يعكس غياب المسؤولية وربط المحاسبة بالمسؤولية خاصة أن الدستور الحديث للمملكة يمنح نتيجة الاقتراع مرتبة مهمة بل ومنها يعين رئيس الحكومة .
وتبقى أدوار الرقابة الإدارية والقضائية البعدية أي بعد الانتخابات غير ذات أهمية في ضبط صناعة الأغلبية، خاصة وأن آجال الطعون في الانتخابات بالنطق بالأحكام تستغرق شهورا وسنوات للحسم تكون قد تشكلت أغلبيات قد تطيح بها الأحكام، خاصة أن الأغلبية قد تتغير بمقعد واحد فما بالك بعشرات المقاعد الملغاة دون أن يرتب ذلك أي نتيجة سياسيا .
من جهة أخرى، فإن العزوف المتزايد من النخب المؤهلة عن الترشح والمشاركة السياسية يعد من أبرز العوامل التي تساهم في تأزيم الوضع. فقد أصبح من السهل على شخصيات أقل كفاءة أن تملأ هذه الفراغات، مما ينعكس سلبًا على جودة القرارات السياسية والإدارية. الهيمنة الإدارية من وزارة الداخلية، التي حولت المنتخبين إلى شخصيات رمزية، زادت من عجزهم عن اتخاذ قرارات حاسمة، مما حول المجالس المنتخبة إلى مجرد مكملات إدارية.
كما أن تأثير المصالح الخاصة و»اللوبيات» على الانتخابات جعل العمل السياسي يتحول إلى وسيلة لتحقيق المكاسب الشخصية بدلًا من خدمة الصالح العام. هذا الوضع عزز من تراجع الثقة بين المواطنين والنخب السياسية، وزاد من الانطباع بأن الانتخابات أصبحت أداة لتحقيق النفوذ الشخصي.
بالتالي، أزمة المنتخبين في المغرب هي أزمة هيكلية أعمق تتطلب إصلاحات جذرية في القوانين والمؤسسات. الإصلاحات يجب أن تهدف إلى استعادة الثقة بين المواطنين والمؤسسات المنتخبة، وضمان أن يكون العمل السياسي موجهًا نحو تحقيق المصالح العامة. كما أن الطريق إلى الديمقراطية الحقيقية يمر عبر إصلاحات عميقة في الحقل السياسي والحزبي، وبناء نخبة سياسية ذات كفاءة عالية، تتبنى الوطنية الحقيقية بعيدًا عن المصالح الضيقة.
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 30/11/2024