من العاصمة .. النيابة العامة تقرع الأجراس!

محمد الطالبي

حين توجه رئاسة النيابة العامة دورية رسمية إلى الوكلاء العامين ووكلاء الملك، محذرة من تنامي الاعتداءات على موظفي إنفاذ القانون، فإن الأمر لا يتعلق فقط بتطبيق فصول القانون، بل بمؤشر خطير على ما يعتمل داخل المجتمع من توتر واحتقان، وعلى أن العنف وصل إلى درجة خطيرة فرضت إعلان النفير والصرامة لمواجهة خطر أصبح قائما ، إذ وصلنا إلى معدل يومي مخيف يقترب من سبع حالات يوميا في مواجهة رجال القانون فقط .
فوفقًا لمعطيات موثقة، انتقل عدد القضايا المرتبطة بالاعتداء على موظفي الدولة من 3549 قضية سنة 2018 إلى 6888 سنة 2024، في تصاعد مخيف يعكس حجم الغضب الذي ينفجر في وجه رجال الأمن والقضاء والشرطة، وهو ما اعتبرته النيابة العامة تهديدًا مباشرًا لهيبة المؤسسات الدستورية، يستوجب الحزم والتشديد القانوني.
لكن، هل يكفي الردّ القانوني والزجري وحده في مجتمع يتآكل من الداخل؟
حماية المجتمع من العنف لا يمكن اختزالها في تشديد العقوبات، رغم أهميتها. فالمجتمع المغربي اليوم يعيش حالة اختناق اجتماعي واقتصادي ونفسي، بسبب الفقر والتهميش، وتراجع الأدوار الحمائية للدولة. كما أن العنف المتزايد ليس انحرافًا فرديًا فقط، بل هو صرخة جماعية تعبر عن غياب الأفق، وعن كتل من الإحباط المتراكم.
الاحتقان لم يعد يختبئ في الزوايا، بل يتمدد في الشارع، في البيت، في المدرسة، في المؤسسات الصحية والإدارية. وأخطر ما في الأمر، أن الحكومة تبدو صمّاء، ترفض الإصغاء لهذا الغليان الشعبي الذي لم يعد يخفى، وتكتفي بقرارات مجزأة، عاجزة عن الإمساك بجوهر الأزمة.
بل إن العنف لم يعد مقصورًا على الاعتداء على الموظفين العموميين، بل بات ظاهرةً تتفشى في كل الفضاءات: في الجامعات، حيث تُنتهك حرمة الفكر والنقاش باسم الانتماء والانغلاق، في الملاعب الرياضية التي تحوّلت إلى ساحات للعنف اللفظي والجسدي، في الشوارع التي أصبحت مسرحًا لصراعات بلا معنى. أما المخدرات، فتمثل وجهًا آخر للعنف المقنّع، إذ تتسرب إلى أعماق الأحياء الشعبية والقرى الهشة، لتُحوّل جيلًا بأكمله إلى رهينة للإدمان والعطالة.
ولم تسلم وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من هذه الموجة. ففي غياب ضوابط مهنية وأخلاقية رادعة، تحوّل جزء منها إلى منبر يحرض على الكراهية، ويوسع دائرة العنف اللفظي والتحريضي، تحت غطاء حرية التعبير أو الصراع السياسي والمجتمعي، ما يعمّق الأزمة ويفاقم حالة الانفلات.
لهذا، لا مفرّ من إطلاق دينامية وطنية شاملة، تُعيد بناء الثقة، وتضع الإنسان في قلب السياسات العمومية. نموذج تنموي جديد، لا يُقاس فقط بنسب النمو والأرقام، بل بمدى قدرته على خلق العدالة الاجتماعية، وتوزيع الأمل، وتجفيف منابع اليأس التي تُغذّي العنف.
إن الوقت قد حان لوقفة مع الذات، لتشخيص العطب كما هو، والاعتراف بأن العنف المتزايد هو مرآة لما نغضّ الطرف عنه منذ سنوات. ولا سبيل لحماية هيبة الدولة دون حماية كرامة مواطنيها، ولا معنى للأمن بدون عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية.

الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 21/06/2025