من العاصمة .. خطاب ملكي حاسم… نحو مغرب الإنصاف والتنمية المتوازنة

محمد الطالبي talbipress@gmail.com

جاء الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، في مستهل الربع الثاني من تولي الملك محمد السادس سدة العرش، قويًا وواضحًا في رسائله وتوجهاته. فقد رسم ملامح المرحلة المقبلة بإرادة ملكية تؤمن بالعدالة الاجتماعية والإنصاف المجالي كركائز أساسية لنموذج تنموي منصف وشامل.
وقد أعلن الملك محمد السادس بوضوح رفضه لِمغرب يسير بسرعتين، لما لذلك من أثر سلبي في تكريس الفوارق بين الجهات، وتعميق التفاوتات بين الطبقات الاجتماعية، وتهديد لمبادئ المواطنة المتساوية.
إن هذا الموقف يعكس انحيازًا صريحًا من الملك لصف الفئات الفقيرة والمحرومة من ثمار التنمية الوطنية، واختيارًا واضحًا لنهج يُعلي من قيم الإنصاف ويرفض الإقصاء لأي مواطن أو جهة على أساس الموقع الجغرافي أو الوضع الاجتماعي.
والقراءة السياسية والاجتماعية لهذا الخطاب لا تحتمل اللبس أو التأويل، فالتوجيهات كانت بالغة الوضوح: ما على الفاعلين الحكوميين، والمنتخبين، والمسؤولين الترابيين، إلا أن ينطلقوا فورًا، دون تأخير أو محاولة لليّ عنق الحقائق، نحو تنزيل جيل جديد من الإصلاحات التنموية، ترتكز على التمييز الإيجابي لصالح الجهات والمواطنين الذين طالهم التهميش لعقود.
كما شكّل توجيه جلالة الملك لوزير الداخلية من أجل الشروع في مشاورات مبكرة مع الفاعلين الحزبيين المعنيين بالانتخابات البرلمانية المقبلة، خطوة تؤكد الالتزام الصارم باحترام الزمن الانتخابي، وإجراء الاستحقاقات في مواعيدها الدستورية، بما يعكس الاحترام العميق للإرادة الشعبية ويعزز الثقة في المؤسسات.
وإذا كانت هذه المشاورات تمثل مقاربة دستورية وتوجيهًا ملكيًا صريحًا، فإنه لا يجوز – بأي حال من الأحوال – الالتفاف عليها أو الالتفاف حولها، كما جرى مع عدد من القوانين الأساسية التي مرت في غياب المشاورات الضرورية، من قبيل مسطرة القانون الجنائي ومشاريع إصلاح منظومة الصحافة والإعلام، التي تم تمريرها اعتمادًا على أغلبية عددية فقط، دون إشراك فعلي للمهنيين المعنيين. وهذه إشارة ملكية بليغة لكل من يهمه أمر نجاعة الإنجاز، فالكفاءة لا تقاس بسرعة التصويت، بل في حسن تدبير الحوار، وتدقيق الأهداف، والحرص على أن تكون الغاية هي المصلحة العامة لا الغلبة الفئوية.
ويبقى المواطن بدوره معنيًا ومسؤولًا عن صناعة مستقبله ومستقبل بلده. فالانتخابات لن تكون نزيهة، في أي مكان من العالم، إلا بوجود مواطن نزيه وواعٍ، يحدد اختياراته السياسية والانتخابية على أساس تجويد الخدمة العمومية، واختيار الكفاءة الحزبية والبرامج الأنسب، بعيدًا عن الاعتبارات الضيقة أو الإغراءات الآنية التي لا تتعدى مصروف يوم واحد. إن الانتخابات ليست مجرد لحظة اقتراع، بل هي اختيار لمستقبلنا الجماعي كمواطنين وكوطن. فلتكن إذن فرصة حقيقية للتغيير الممكن، وبيد الناخب ورقة التغيير.

الكاتب : محمد الطالبي talbipress@gmail.com - بتاريخ : 02/08/2025