من العاصمة : ماء الحياة القاتل
محمد الطالبي
مرة أخرى، يسقط ضحايا بالعشرات بين قتلى ومعطوبين ومأساة إنسانية تعطلت معها كل الحواس.
أزيد من 100 ضحية يضافون إلى آخرين من مراكش، والقنيطرة وسلا، في حوادث مشابهة وخطيرة أيضا.
السبب نفسه مشروب كحولي بأسماء متعددة: ماء الحياة ماحيا ميكة …وغيرها من التسميات، حسب المناطق، تصنع في الأصل من التمور والتين وأنواع منها فاخرة تباع وتصنع بطريقة قانونية واشتهر اليهود المغاربة باستعمالها أو هكذا تنسب لهم ربما، ولكن المؤكد أن المشروب أضحى خمر الفقراء، خمر مصنع خارج القانون وخارج المعايير الصحية وشروط السلامة، وتزيد مطاردة السلطات وتضييقها الخناق على منتجيه ليدخلوا عالم السرية، وبالتالي عالم انعدام أي مراقبة ومواجهة المجهول والموت لنقيم كل مرة مندبة وسرعان ما ينسى كل شيء وتطوى الصفحة .
الكم الكبير للضحايا المعنيين في منطقة صغيرة يؤكد أن المغاربة يتعاطون الخمور بكل أنواعها القانونية وغير القانونية، في الوقت الذي لا تجيب القوانين ولو بشكل ملتبس عن تعاطي الخمر، فهو موجود ويوزع لغير المسلمين أو تحت هذا المسمى، وتجبي الحكومة ملايين الدراهم من الضرائب تعتمدها علنيا في قوانين ماليتها دون تملك جرأة تنظيم القطاع وحماية المستهلك وشفافية المعاملة التجارية، لأن هذا الغموض المقصود يجعل بلدنا الذي يسعى إلى تنظيم تظاهرات عالمية وجلب ملايين السياح يعتبر الأعلى نسبا في فرض الضرائب والأغلى أسعارا في بيع جميع منتجات الخمور، ونسقط في كل ممنوع مرغوب، فمال وعائدات الخمر حلال وحماية المستهلك وقدرته الشرائية وسلامته الجسدية والنفسية في آخر الاهتمام .
إن جزءا من حوادث السير وغيرها من الأحداث يكون وراءها هذا التمييز السلبي بين الجهات والعمالات والأقاليم، حتى إن رخص بيع وترويج هذه المواد أضحى من سابع المستحيلات أضف إليها تعقيدات إدارية طاعنة في التخلف .
ولأن المناسبة شرط ولو أنها مؤلمة، ففي عهد حكومة المحافظين قبل 2021، تراجعت التراخيص بل سادت موجة إغلاق ومحاولة لعب الورقة الأخلاقية والدينية، ونتذكر الوقفات أمام عدد من المحلات التجارية وحتى في مناطق بعيدة من المركز، لكن معدل الاستهلاك ظل في تصاعد ليطرح السؤال عريضا، من له مصلحة في الدفاع عن السوق السوداء والمعامل السرية وهلاك المواطنين؟
ستكون هناك تحقيقات ومحاكمات، فعلا، وسيسقط الجناة، ولكن الأساسي أن يكون وتكون بحوث اجتماعية واقتصادية ونفسية وغيرها من التخصصات لنقف على ما يجري خلف الستار، وأين يسير المجتمع المغربي ؟
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 08/06/2024