من طريق الوحدة إلى عيد الوحدة… فكر المهدي ومسار الوطن نحو الديمقراطية والسيادة

سعيد الخطابي

في سياق التحولات الوطنية الكبرى التي يشهدها المغرب، وفي ظل المسار المتواصل لترسيخ دولة المؤسسات والاختيار الديمقراطي، جاء الإقرار الرسمي بجعل 31 أكتوبر عيدا وطنيا للوحدة المغربية ليشكل لحظة فارقة في مسار الوطن، وإشارة قوية إلى عمق الوعي التاريخي والسياسي الذي يميز الدولة المغربية الحديثة بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله. إنه قرار يؤكد استمرارية روح الوفاء للوطن وتجديد العهد مع تاريخه وهويته ووحدته الراسخة من الريف إلى الصحراء، ومن الشمال إلى الجنوب، في ظل وطن موحد في الأرض والمصير والإرادة.
لقد جاء هذا القرار الملكي الحكيم كتتويج لمسار طويل من النضال الوطني والبناء الديمقراطي، وتجسيدا للرؤية السديدة والاستباقية لجلالة الملك محمد السادس، الذي جعل من الوحدة الوطنية عنوانا للسيادة ومضمونا للكرامة المغربية. فالوحدة بالنسبة لجلالته ليست مجرد شعار سياسي، بل مشروع وطني شامل يقوم على ركيزتين أساسيتين: الوفاء للثوابت الوطنية، والالتزام بالمسؤولية المشتركة في البناء والدفاع والتضامن.
لقد كان المغرب منذ فجر الاستقلال وفيا لفكرة الوحدة باعتبارها جوهر وجوده ومعنى تاريخه، وتجسدت هذه الفكرة عمليا في ملحمة طريق الوحدة سنة 1957 التي قادها بإيمان وفكر ثاقب الشهيد المهدي بن بركة بإشراف مباشر من جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه. لم تكن تلك الطريق مجرد مشروع لربط الشمال بالجنوب، بل كانت رمزا عميقا للتلاحم الوطني بين أبناء الوطن الواحد من الريف الصامد إلى الجنوب الواعد، ومن كل المدن والقرى التي آمنت بأن العمل الجماعي أسمى تجسيد للانتماء للوطن.
كانت طريق الوحدة مدرسة للوطنية الصادقة، شارك فيها شباب من مختلف ربوع المغرب اجتمعوا على حب الوطن ورفعوا شعار العمل والإخلاص والتضحية. هناك، في الجبال الوعرة بالريف المغربي في أقصى شماله، ولدت أولى ملامح الدولة الوطنية الحديثة، وترسخت قيم التضامن والمسؤولية الجماعية، وارتفعت الأيادي المغربية لتبني طريقا من الحجارة لكنها في جوهرها بنت وطنا من العزيمة والإرادة.
ومن تلك الملحمة التاريخية إلى القرار الملكي بجعل 31 أكتوبر عيدا للوحدة، يواصل المغرب التأكيد أن الوحدة الوطنية هي جوهر وجوده ومصدر قوته. فبعد نصف قرن من المسيرة الخضراء المظفرة سنة 1975 يعيش الوطن اليوم مرحلة جديدة من ترسيخ وحدته الترابية والسياسية بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي جسد الرؤية الملكية الحديثة للوحدة، وحدة التنمية، ووحدة العدالة المجالية، ووحدة الإرادة الشعبية في الدفاع عن السيادة الوطنية.
لقد أثبت المغرب للعالم من خلال مواقفه الدبلوماسية الثابتة أن الوحدة من الريف إلى الصحراء ليست شعارا جغرافيا بل مبدأ وجودي وسيادي. فكل مدينة وكل قرية وكل جهة من جهات الوطن تسهم في حماية هذه الوحدة وصيانتها. وجاء القرار الأممي الأخير ليؤكد مجددا مصداقية المقترح المغربي للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي وعادل ونهائي لقضية الصحراء المغربية، وليعكس ثقة المجتمع الدولي في عدالة الموقف المغربي وحكمة قيادته.
وفي هذا السياق، تبرز الأهمية المتجددة لدور الشبيبة المغربية، وعلى رأسها الشبيبة الاتحادية، التي كانت دائما في الصفوف الأمامية دفاعا عن الوطن ووحدته. فمن شباب طريق الوحدة بالأمس إلى شباب المسيرة الخضراء وصولا إلى شباب الدبلوماسية الموازية اليوم، يواصل الاتحاد الاشتراكي عبر شبيبته أداء رسالته الوطنية النبيلة، مؤمنا بأن حب الوطن فعل ومسؤولية قبل أن يكون شعارا أو انتماء رمزيا.
لقد كانت الشبيبة الاتحادية دائما نموذجا للالتزام الوطني المتجذر في فكر المهدي بن بركة، الذي آمن بأن الدفاع عن الوطن لا ينفصل عن الدفاع عن الحرية والعدالة الاجتماعية. في المحافل الدولية كانت الشبيبة الاتحادية صوت المغرب الواعي والمستنير، تواجه الأطروحات العدائية وتفند الأكاذيب الموجهة ضد وحدتنا الترابية بالمنطق والعقل والحجة، مستلهمة في ذلك الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس الذي جعل من الشباب قوة اقتراح ومسؤولية ومواطنة.
إن عيد الوحدة المغربية في 31 أكتوبر ليس فقط احتفالا بحدث وطني، بل تجديد للعهد مع الوطن وبيعة جديدة للوحدة والسيادة واستحضار للمسار المجيد الذي صنعه المغاربة عبر التاريخ من الريف المقاوم الذي واجه الاستعمار بالسلاح والإرادة إلى الصحراء المغربية التي جسدت المسيرة الخضراء روح الوفاء للوطن والعرش. إنه يوم يذكرنا بأن كل ذرة من تراب هذا الوطن تحمل معنى التضحية وأن كل جيل مطالب بأن يضيف لبنة في صرح الوحدة الوطنية.
فمن ملحمة طريق الوحدة التي جمعت القلوب والعقول إلى ملحمة الوحدة الترابية التي كرست السيادة إلى عيد الوحدة الذي يرمز إلى الاستمرارية والتجدد، يسير المغرب بخطى ثابتة نحو المستقبل تحت قيادة ملك حكيم، وفي ظل وحدة لا تتزعزع، وإيمان راسخ بأن الوطن غاية الغايات والوحدة قدر لا رجعة فيه.
إن الاتحاد الاشتراكي وهو يستحضر فكر الشهيد المهدي بن بركة يؤكد أن النضال من أجل الوحدة لا ينفصل عن النضال من أجل الديمقراطية، وأن الولاء الحقيقي للوطن يتجسد في خدمة الشعب واحترام المؤسسات وترسيخ قيم العدالة الاجتماعية والمجالية في ظل دولة قوية متضامنة تسع جميع أبنائها.
إن عيد الوحدة هو انتصار للوطن ، من الريف إلى الصحراء، من الحسيمة إلى الكويرة، من طريق الوحدة إلى طريق المستقبل. إنه يوم لتجديد القسم بأننا على العهد باقون، أوفياء للوطن، مؤمنون بأن قوة المغرب في وحدته، ومجده في تنوعه، وسيادته في تلاحم شعبه وملكه.

عضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

الكاتب : سعيد الخطابي - بتاريخ : 11/11/2025