نداء الحسن
عبد السلام المساوي
ولحديث الوطنية في النفس وعليها وقع خاص . في مثل هذا اليوم قبل خمسين سنة ، وطأت أقدام 350 ألف مغربي ومغربية مشاركين في المسيرة الخضراء ، أرض الصحراء المغربية في إنجاز مبهر تنظيما وتدبيرا .
قبل خمسين سنة ، حرر المغاربة أقاليمهم الجنوبية بسلمية رائعة فيها من الإبداع الشيء الكثير ….والمسيرة متواصلة ….
مغرب 2025 يختلف عن مغرب 1975 اختلافات الكون كلها، وحده شيء أساسي لا يزال ثابتا في النبض، في العرق، في الفؤاد : حب الوطن .
في كل مكان من هذا البلد الأمين ، يرن « نداء الحسن « بنفس النغمة المحببة إلى الآذان اليوم ، يتساءل البعض عن سر بقائها . يأتي الجواب بالإجماع « لأن فيها حنين للصراخ بحب البلاد. «
خمسون سنة لم تكن ضائعة ولا متهاونة، وللذي قد يشكك في بعض هذا الكلام ما عليه سوى زيارة العيون أو الداخلة أو السمارة ليقف على ما تحقق من منجزات .
إن روح المسيرة الخضراء، التي أطلقها الراحل الحسن الثاني، بقيت مستمرة ومتواصلة إلى اليوم، وهذا نهج مغربي يصبو نحو الحداثة والحكامة والتنمية المستدامة، وبروح المسيرة الخضراء ستظل الصحراء مغربية بشرعيتها وبنمائها وبازدهارها .
هذه البلاد نعيش فيها وتحيانا، نرى مشاكلها اليومية، نقسو عليها أحيانا، ونتبرم ونمل ونقول كاذبين، « لو وجدنا التأشيرات لعبرنا إلى أي مكان آخر وهربنا « ، ثم حين الهروب حقا منها تهجم علينا كلها، وتسكن فينا كل المسام تدمع منا الأعين كلما ذكر اسم المغرب أمامنا، ونتمنى فقط لحظة العبور، لكي نعود إليها ونطلب الكثير من الاستغفار، إننا لم نعطها حقها، وأننا لم نعرف قيمتها وأننا ساهمنا مع المساهمين في سبها، في النيل منها، في انتقادها في المليئة والفارغة .
لنا النماذج أمامنا، ترى، تتابع، تتوالى، كلها تقول لنا الشيء الواحد ذاته : مثل هذا البلد لن نجد أبدا، ومثل هذه القدرة على الحب لهذا الوطن، لن نلفي وإن بحثنا في كل مكان .
فقط علينا أن نجد الفوارق السبعة بين حب الوطن لوجه الوطن، وبين حبه لأنه يعطينا أو كرهه لأنه نسي أن يعطينا بعض الفتات .
قالها الكبير يوما في العبارة التي يحفظها الجميع « لا تسألوا أنفسكم ماذا أعطانا وطننا بل اسألوا أنفسكم ماذا أعطيتم لهذا الوطن « .
لذلك يبدو الرهان اليوم واضحا للغاية ، غير قادر على مداراة نفسه : هذا البلد محتاج للقادرين على الدفاع عنه ، المستعدين لبنائه وتنميته والصعود به، المفتخرين بالانتساب إليه، المصارحين بحقائقه كلها، صعبها وسهلها، حلوها ومرها، لكن المنتمين له لا إلى أي مكان آخر .
وطني أو خائن ولا توجد مرتبة وسطى بين الخيانة والوطنية .
والمغرب في الليل من 6 نوفمبر 2025 ينفض عنه يوما بأكمله ويستعد لعناق ليلة جديدة، كان « نداء الحسن « يؤكد كلماته بعد مرور خمسين سنة، ويحورها قليلا لكي يصبح نداء الملك وشعبه في سنة الناس هاته البعيدة تماما عن السبعينيات المقتربة أكثر مما يفتحه المستقبل من رهانات كبرى لهاته الأرض، ولأهل هاته الأرض .
المسيرة الخضراء ليست مجرد ذكرى وطنية نحتفل بها والسلام . هي درس مغربي متواصل على امتداد الأزمنة والأمكنة يجدد نفسه دوما وأبدا، ويمنح إمكانية الاستفادة منه لمن كان ذا عقل سليم .
الجمعة 31 أكتوبر 2025 ، هو أكبر من مجرد تاريخ ، أو ترقيم في تقويم الأيام ، إنه عنوان من عناوين الحقيقة التاريخية، وصفحة وفخر في سجلات الشرعية الدولية، ومجلدات الرافعات القانونية في القضايا العادلة للأمم والشعوب والدول .
تاريخ مرصع بالانتصار ، حين أعلنت فيه الدول الكبرى ، والدول الدائمة العضوية وغير الدائمة في مجلس الأمن على أحقية المغرب على صحرائه ومياهه وترابه وأراضيه وسمائه كاملة غير منقوصة شبرا واحدا من طنجة إلى آخر حبة رمل ونقطة في الكويرة .
هكذا يمكن تفسير عبارة الحكم الذاتي الذي صوت عليه مجلس الأمن، وتعني أن المغرب في صحرائه ، والصحراء في مغربها مع إمكانية فتح مفاوضات على شكل التدبير واختصاصاته ومجالاته وحدوده، التي لا ينبغي أن تتجاوز معطى ثابتا اسمه : السيادة الوطنية الكاملة .
ويكفي هذا المعطى كي يكون 31 أكتوبر 2025 عيدا وطنيا ، صنع مجده ملك عبقري، جعل من ملف الصحراء المغربية قضيته الأولى وقضية متجددة لجميع المغاربة، بمقاربة جديدة، عمادها دبلوماسية فعالة ومؤثرة تشتغل في صمت وهدوء .
هذا الانتصار الدبلوماسي وصفه الملك بأنه فتح جديد للصحراء المغربية.
جاء في بلاغ من الديوان الملكي :
” اعتبارا للتحول التاريخي الذي عرفه مسار قضيتنا الوطنية، واستحضارا للتطورات الحاسمة التي حملها القرار رقم 2797/2025 لمجلس الأمن، والتي كانت موضوع الخطاب السامي الأخير لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، إلى شعبه الوفي، فقد تقرر جعل يوم 31 أكتوبر، من كل سنة، عيدا وطنيا، ومناسبة يتفضل فيها جلالته بإصدار عفوه السامي.
وقد تفضل جلالة الملك، حفظه الله، بأن أطلق على هذه المناسبة الوطنية اسم ” عيد الوحدة “، بما تحمله من دلالات وإحالات على الوحدة الوطنية والترابية الراسخة للمملكة. وسيشكل هذا العيد مناسبة وطنية جامعة للتعبير عن التشبث بالمقدسات الوطنية للمملكة وحقوقها المشروعة.»
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 06/11/2025

