نهج الخيانة…
عبد السلام الرجواني
لا شك أن التعددية السياسية شرط لا مناص منه لبناء الدولة الديمقراطية، من أجلها ناضلت القوى التقدمية الديمقراطية لعقود وقدمت في سبيلها تضحيات جسام، على اعتبار أنها الترجمة المؤسساتية لحرية التعبير والانتماء، والتجسيد العلمي لحق الاختلاف في الرأي والموقف … لكن وجب الاستدراك أنه لا ديمقراطية ولا حرية دون وطن واحد وموحد وذي سيادة، ودون الارتكاز إلى ثوابت وطنية مشتركة تعبر عن هوية الأمة ووحدة الشعب. ومن ثوابت الأمة المغربية الإيمان بالوحدة الترابية للمغرب إيمانا مطلقا يسمو على كل الانتماءات الفكرية والسياسية. وفي ذلك يكمن سر الإجماع الوطني حول قضية الوحدة الترابية، وهو الإجماع الذي يفسر الصمود الوطني في وجه كل المؤامرات الخارجية والنزوعات الانفصالية على امتداد عقود منذ المسيرة الخضراء إلى اليوم. ومن الثابت تاريخيا أن معركة استرجاع الأقاليم الجنوبية مهدت لولوج المغرب المعاصر عهد البناء الديمقراطي وساهمت بقوة في انتقال المغرب من عهد الاستبداد السياسي إلى عهد التوافق الديمقراطي في ظل دولة المؤسسات والقانون وحقوق الإنسان. وبالمقابل أسهمت صيرورة الدمقرطة في تقوية الجبهة الداخلية وتأهيلها لصيانة الوحدة الوطنية وتكريسها واقعا غير قابل للنقض أو النفي.
لكن لكل قاعدة استثناء، والاستثناء بخصوص موضوع الوحدة الترابية للمملكة يتمثل تحديدا في موقف بعض المتمركسين المتأخرين ورثة العدمية الوطنية، الذين أولوا، على نحو خاطئ، ولا تاريخي، الموقف اللينيني من حق الشعوب في تقرير مصيرها. والحقيقة أن نزعة العدمية الوطنية لا تمت بصلة للطرح الماركسي اللينيني المتعلق بمبدأ تقرير المصير، والذي كان يعني حق الشعوب المستعمرة من قبل القوى الإمبريالية بداية القرن العشرين في التحرر من ربق الاستعمار الأجنبي. فحق تقرير المصير مرتبط بشرطين متلازمين: وجود شعب يرزح تحت الاستعمار ووجود مستعمر اغتصب وطنا غير وطنه؛ وهما شرطان لا يصدقان في شيء على أهلنا في الصحراء. حقائق التاريخ والجغرافيا يثبتان، بالتوثيق وبالذاكرة، أن الصحراء جزء لا يتجزأ من الدولة المغربية منذ المرابطين والموحدين، وأنها كانت في حالات كثيرة مهد نشأة سلالات ونخب حكمت المغرب لحقب طويلة، نفس الحقائق تؤكد أيضا أن أهلنا في الصحراء جزء من الشعب المغربي، لهم جذور ، ولهم امتدادات في شمال المغرب ووسطه. وللحقيقة والتاريخ أن الشباب الصحراوي المؤسسين للبوليساريو أنفسهم كانوا وطنيين ودعوا في بدايات الحركة إلى تحرير الصحراء وطالبوا الدولة المغربية والأحزاب التقدمية بدعم حركتهم، ولولا أخطاء وقعت، فضلا عن تآمر خارجي ضد المغرب من قبل حكام الجزائر والنظام الليبي آنذاك، لما كانت البوليساريو، ولحسمت القضية نهائيا.
إن حديث النهجويين العدميين عن الشعب الصحراوي وحق تقرير المصير غير مقبول ومرفوض من طرف الشعب المغربي، ويتطلب الإدانة بل المحاسبة القانونية باعتباره خيانة وطنية. هو فعل إجرامي بكل المقاييس لأن أكبر جرم هو خيانة الوطن، جرم لا يبرره شعار حرية التعبير والرأي وحقوق الإنسان وغيرها من المبررات التي لم تقبل بها أعرق دول العالم في الديمقراطية عندما تتعارض مع وحدة الكيان الوطني. بريطانيا حاربت في جزر المالديف البعيدة، وإسبانيا حاكمت دعاة الانفصال في كاطالونيا، وفرنسا طاردت حركة الباسك إلى أن حلت هذه الأخيرة نفسها، والهند خاضت أكثر من حرب ضد حركات انفصالية، والجزائر قمعت الطوارق وكرست التقطيع الاستعماري للحدود مع المغرب، وهلم جرا.
إن القوى العظمى في العالم شرقا وغربا هي التي أقامت دولا متعددة الأعراق والاثنيات، ولنا في الاتحاد السوفياتي سابقا وفي الصين والولايات المتحدة الأمريكية نماذج تؤكد زيف أطروحات حُزيب لا يتجاوز أعضاؤه عدد سكان دربنا القديم بمدينة صغيرة، ولم يتجاوز فعلهم السياسي إصدار بيانات تردد أسطوانة مكرورة حول تقرير المصير لأبناء الصحراء الذين اختارت غالبيتهم الاندماج الكلي والطوعي في الوطن الأم. ولعل ما شجع نهج الخيانة على التمادي في معاكسة إرادة شعب بأكمله المناخ الديمقراطي بالمغرب الذي أتاح لمثل هؤلاء مساحة للتعبير الحر لم تتح لأمثالهم في تندوف والجزائر وكثير من دول العالم، لذا نعتبر أن لحرية الرأي حدودا وأن للتعددية السياسية ضوابط أهمها الالتزام بالدفاع عن الوطن ووحدته وسلامة أراضيه.
الكاتب : عبد السلام الرجواني - بتاريخ : 19/11/2020