هل‭ ‬وقع‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬الهجرة‭ ‬واللجوء‭ ‬الفرنسي؟

باريس‭- ‬يوسف‭ ‬لهلالي‭ ‬

لجأت الشرطة الفرنسية إلى الغاز المسيل للدموع لتفكيك مخيم جديد للمهاجرين وسط باريس، أقيم لإيواء مئات اللاجئين الذين تم إجلاؤهم من مراكز إيواء مؤقتة في الضواحي دون توفير بديل.
وساعد متطوعون في نصب نحو 500 خيمة زرقاء اللون في ساحة الجمهورية في قلب العاصمة الفرنسية في وقت متأخر مساء يوم الاثنين الماضي والتي سرعان ما امتلأت بمهاجرين معظمهم أفغان.
وبعد نحو ساعة، وصلت الشرطة لتفكيك المخيم، وإزالة الخيام التي كان بداخلها أشخاص في بعض الحالات، وسط تظاهرات من المهاجرين وصيحات الاستهجان من المتطوعين.
ويأتي تفكيك المخيم الجديد بعد أسبوع على إجلاء المهاجرين من مراكز إيواء مؤقتة في ضاحية سان دني شمال باريس دون نقلهم إلى مكان آخر.
المفاجأة كانت، هي موقف وزير الداخلية G?rald Darmanin الفرنسي
الذي وصف مشاهد عملية تفكيك المخيمات بـ»الصادمة» مشيرا إلى أنه أمر شرطة المدينة بتقديم تقرير حول أعمال العنف التي تخللت هذا التفكيك.
وتعد باريس محطة رئيسية في طريق الهجرة إلى أوروبا، إذ كثيرا ما تقام فيها مخيمات تفككها الشرطة بعد بضعة أشهر.
وانتقل الآلاف من باريس إلى ميناء Calais
شمال فرنسا ، وحاولوا الاختباء في شاحنات تعبر
La Manche
إلى انكلترا. وحاول عدد قليل منهم العبور بالقوارب نحو الشواطئ البريطانية.
ويأتي تفكيك المخيم، بعدما أقرت الحكومة الفرنسية قانونا أمنيا معدلا، يفرض قيودا على نشر صور وتسجيلات، التقطت لوجوه عناصر الشرطة، أثناء تأدية مهامهم في الأماكن العامة.
تحرك الشرطة الفرنسية في الأيام الأخيرة، من أجل تفكيك مخيمات المهاجرين أو اللاجئيين، بضواحي العاصمة باريس هو تعبير عن تحول في سياسة باريس في تدبير الهجرة القادمة.
مخيم سان دوني، الذي تم تفكيكه الأسبوع الماضي، كان يتميز بظروف غير صحية، حيث أقيمت مئات الخيام، في الغالب يرتادها رجال عزّب معظمهم من أفغانستان، ومن السودان وإثيوبيا والصومال. وأقام العديد، ومعظمهم من طالبي اللجوء، في السابق في مخيمات أخرى في ضواحي باريس، وتمت إزالتها تباعا، ولكن تم إعادة إنشائها على مسافة أبعد قليلا، في الضواحي الشمالية.
وأدانت نحو ثلاثين جمعية، بينها سيماد وسكور كاثوليك وسولاديريته ميغران ويلسون) «الحلقة المفرغة والهدامة».وذكرت الجمعيات في بيان «منذ خمس سنوات، أن عمليات الإجلاء تتكرر رغم خلل نظام الإيواء المرافق لها. واليوم، تواصل السلطات تنظيم هذه العمليات، بينما أثبت الـ 65 عملية السابقة للإخلاء عدم نجاعتها، وكان تأثيرها الوحيد هو تشتيت الناس « !
وحسب السلطات الفرنسية، فإن وجود «هذه المعسكرات غير مقبول». وأوضحت أن هذه العملية تجري لضمان إيواء الأشخاص الذين هم في وضع قانوني، وأن من هم في وضع غير قانوني، لا يمكنهم البقاء في البلاد».الجمعيات الفرنسية المختصة في هذا المجال، انتقدت حكومة بلدها لغياب سياسية واضحة للهجرة والإيواء .
هذه السياسة، سوف تتحول أكثر في المستقبل، وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقوله، بضرورة النظر بواقعية للعلاقة بين الإرهاب والهجرة غير النظامية، ومطالبته لشركائه الأوربيين بإعادة النظر في فضاء شنغن الذي ينظم الحدود الأوربية وتشديد الحراسة على الحدود الخارجية لأوروبا، وهو تحول كبير في موقف باريس، جاء بعد الاعتداءين الأخيرين بضاحية باريس ونيس،هذا الموقف الرسمي الجديد، الذي كان يشكل أحد مطالب اليمين المتطرف منذ سنوات في السابق.
بمعنى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون تبنى سياسة اليمين المتطرف في مجال الهجرة دون أن يثير ذلك ضجة سياسية بفرنسا، باستثناء الجمعيات العاملة في هذا المجال، وهو موقف عبرت عنه باستمرار مارين لوبين، وهو ربط الهجرة بالارهاب بفرنسا واعتبارها مسؤولة عنه و مصدر له، بالإضافة إلى مطالبة باقي البلدان الاوربية بإعادة النظر في اتفاقية شنغن التي تجمعها بباقي الجيران الاوربيين والرفع من عناصر الشرطة على الحدود الوطنية، والرفع من المراقبة على الحدود البرية، بعد أن تم التخلي عن ذلك لسنوات طويلة، حيث إن الحدود الأوروبية أصبحت بعد اتفاقية شنغن،هي الحدود الخارجية لأوربا، وليست حدود أي قطر على حدة.
المتتبعون للحياة السياسية، يبررون هذا التحول في موقف الرئيس الفرنسي، الذي كان له موقف وسط وليبرالي في التعامل مع الهجرة، باقتراب الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والتشريعية في أقل من سنتين، واتخاذ مواقف أقرب إلى ناخبيه من اليمين واليمين المحافظ، واعتبار أن ضعف باقي الأحزاب الكلاسيكية، ستجعل الرئيس الفرنسي مرة أخرى، في مواجهة ممثلة اليمين المتطرف مارين لوبين، وهو ما يفسر هذا التحول في سياسة الرئيس،وسياسة بلده في مجال الهجرة، والتي سوف تعرف صرامة في الفترة المقبلة.

الكاتب : باريس‭- ‬يوسف‭ ‬لهلالي‭ ‬ - بتاريخ : 02/12/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *