هل ترجح الأقلية المسلمة بفرنسا كفة ماكرون في الانتخابات الرئاسية؟

باريس- يوسف لهلالي

 

هل «فرنسا، موطن التنوير والكونية، ستصبح أول دولة في العالم تحظر الرموز الدينية في الأماكن العامة. هذا ما تقترحينه، وهو غير منطقي».هذا السؤال الاستنكاري طرحه الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته على منافسته وممثلة اليمين المتطرف في المناظرة التلفزية التي جمعت بينهما الأربعاء الأخير، وذلك في نقاش حول ارتداء الحجاب في الأماكن العامة التي تنادي به المرشحة المتطرفة، وأضاف الرئيس المرشح إنها تخاطر بإشعال «حرب أهلية» في فرنسا في حال تم انتخابها رئيسة ونفذت تعهدها بحظر الحجاب الإسلامي في الأماكن العامة. طبعا، الرئيس من خلال إثارة هذا الجدل مع منافسته أراد أن يبرز لمواطنيه خطر اختيار مرشحة لن تكون مسؤولة في حالة اختيارها رئيسة لدولة، وهو أمر لم يعد مستبعدا بفرنسا وذلك بسبب النسبة الكبيرة من الفرنسيين التي أصبحت تصوت لهذا التيار، بل إن عددا كبيرا من الفرنسيين نسوا ماذا يعني اليمين المتطرف في بلدهم، وأصبح التصويت عليه مثل التصويت على أي حزب سياسي في المشهد الفرنسي.
بل إن هذا التيار اليميني المتطرف، من خلال ثلاثة مرشحين له في الدور الأول من الانتخابات، حصل على أكثر من ثلث الناخبين الفرنسيين وأصبح قوة سياسية حاضرة بكل ثقلها داخل بلاد فولتير، لكن الهدف من إثارة هذا الجدل أيضا، موجه لمسلمي فرنسا أو الفئات المنحدرة من أسر ذات ثقافة وتقاليد إسلامية، والتي تشكل ما بين 5 و6 ملايين حسب مختلف التقديرات الإحصائية،( قانون فرنسا لا يسمح بوضع إحصاءات تعتمد العرق والدين)، والتي يريد منها الرئيس المنتهية ولايته أن تصوت عليه، وهي التي صوتت بكثافة كبيرة لمرشح فرنسا الأبية، الذي حقق أرقاما قياسية في وسط هذه الفئة، وكذلك وسط الأقليات من إفريقيا والعالم العربي والأجانب بصفة عامة. حيث كان المرشح الوحيد الذي تحدث عن الهجرة بشكل إيجابي، وكذلك عن الإسلام، ولم يتردد في إثارة قيم التعايش والاحترام التي عاشتها عائلته الكاثوليكية عندما كانت مهاجرة بالمغرب حيث ازداد وترعرع.
التذكير بهذا الموقف جعل أصوات مختلف الأجانب وخاصة المسلمين تتوجه نحو هذا المرشح وهذا الحزب، رغم الاختلاف الأيديولوجي الذي يمكن أن يطرح لدى البعض، باعتبار فرنسا الأبية حزبا يساريا راديكاليا، وهو ما يمكن أن يتناقض في قيمه مع بعض ممارسي الديانة بشكل راديكالي كذلك، أو الذين لهم سلوكات جد محافظة.
الرئيس المرشح في الدور الثاني، قام بمجهود خاص من أجل استمالة هذه الفئة، من خلال التذكير بمواقفه الليبرالية تجاه الدين الإسلامي، وهي مواقف تخلى عنها أثناء ولايته، وذلك من أجل استقطاب أصوات اليمين المحافظ والمتطرف في فرنسا، الذي أصبح يشكل أكبر كتلة انتخابية، سواء خلال خطابه حول الإسلام الذي اعتبره دينا يعيش أزمة بعد مقتل أحد الأساتدة في عملية إرهابية نفذها لاجئ من أصول شيشانية، وهو ما جر عليه العديد من الانتقادات في العالم الإسلامي، أو من خلال تعيينه لوزيرين عُرفا بمواقفهما اللائكية المتطرفة خاصة تجاه الإسلام، وهما جيرار دارمنان، وزير الداخلية، ومارلين شيابا، وزيرة منتدبة بالمواطنة.
ولتجاوز هذه الوضعية ومحاولة جلب أصوات هذه الفئة، ذكر الرئيس بمواقفه الليبرالية تجاه الأقلية المسلمة، وذكرهم أيضا بالخطر الذي تشكله مرشحة مثل مارين لوبين، وما تمثله من أيديولوجية مناهضة للمسلمين بفرنسا، وقام بزيارة أحد الأحياء التي تضم أكبر جالية من المسلمين والأفارقة والأجانب، هي مدينة سان دوني بالضاحية الباريسية ، التي صوتت بحوالي 62 في المائة لصالح جون لوك ميلانشون في الدور الأول، وهي الأصوات التي يريد الرئيس المرشح الحصول عليها، والتي ستكون حاسمة في الدور الثاني بين ماكرون ولوبين.
أهمية الأصوات التي تدلي بها الأقلية المسلمة في هذه الانتخابات، هو ما جعل لوبين تبدو من خلال تصريحات متضاربة كأنها تراجعت في الأيام الأخيرة عن هذا المشروع، وعادت مارين لوبين وأكدت مساء الأربعاء أنها «مع حظر الحجاب في الأماكن العامة»، وهو تردد يبين طمعها هي الأخرى في هذه الأصوات، واعتبرت المرشحة اليمينية المتطرفة أنه أمر «يتعلق بتحرير المرأة، وكبح الإيديولوجيا الإسلامية»، وأردفت «أنا لست ضد الإسلام، وهو دين له مكانه» في فرنسا، وأضافت «أنا أحارب الإيديولوجيا الإسلاموية، وهي أسلوب تفكير يقوض أسس جمهوريتنا ويقوض المساواة بين الرجل والمرأة ويقوض العلمانية ويقوض الديموقراطية».
ومن المعروف أن مسألة الحجاب موضوع حساس وله حضور متكرر في السياسة الفرنسية منذ سنوات، ويحظر حاليا ارتداء الرموز الدينية الظاهرة في المدارس وفي إدارات الدولة، ولكن ليس في الأماكن العامة، وهو الأمر الذي وعدت به لوبين ناخبيها في حالة النجاح.
قبل يوم من موعد الجولة الثانية، لا تزال استطلاعات الرأي تمنح الأفضلية للرئيس المنتهية ولايته ايمانويل ماكرون بنوايا تصويت تتراوح بين 54 إلى 56,5 بالمئة مقابل 43,5 إلى 46 بالمئة لمنافسته اليمينية المتطرفة، وهي فجوة أضيق بكثير مما كانت عليه عام 2017 عندما فاز ماكرون بنسبة 66 بالمئة من الأصوات، هذا التقارب، بالإضافة إلى عدد الممتنعين عن التصويت، معطيات، تجعل مآل هذه الحملة مفتوح على جميع الاحتمالات، خاصة أن لا أحد يعرف ما إذا تمكن الرئيس المرشح من إقناع، خلال الأيام الأخيرة، العدد الكبير من الناخبين الذين صوتوا على جون لوك ميلانشون، والذين يوجد من بينهم عدد مهم من الأقلية المسلمة .

الكاتب : باريس- يوسف لهلالي - بتاريخ : 23/04/2022