هل حافظ الملك على يده الممدودة؟

نوفل البعمري

الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء لم يكن فقط قويًا من حيث لغته، بل أيضًا من حيث الرسائل التي حملها لكل من يهمه الأمر، سواء داخل المغرب أو خارجه.
رسائل أعاد الملك التأكيد عليها، بوضوح وجرأة، تعكس دقة المرحلة التي يمر منها ملف الصحراء، خاصة مع إعادة انتخاب ترامب، والموقف الفرنسي الأخير، وقرار مجلس الأمن رقم 2756. لقد شهد الملف دعمًا دوليًا متزايدًا لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي، بالإضافة إلى افتتاح قنصليات في مدن الصحراء، وهي كلها معطيات تؤكد أن الملف يسير نحو الحسم.
في هذا السياق، توجه الملك برسائل واضحة إلى الجزائر، التي تحولت لديها الرغبة في الوصول إلى المحيط الأطلسي إلى هوس استنزف ثرواتها على دعم مليشيات لم تحقق سوى خسائر وتدهور الأوضاع الحقوقية في المخيمات. ووصف الملك سكان المخيمات بأنهم رهائن لدى السلطات الجزائرية التي تساوم بهم المجتمع الدولي.
بالعودة إلى الخطاب والفقرات التي توجه فيها الملك “للجارة” باعتبارها هي من تستغل “قضية الصحراء للحصول على منفذ بالمحيط الأطلسي”، فقد كان واضحاً بأن خيرها بين أن تنتمي للمستقبل، لعالم التكامل الاقتصادي، عالم الواقعية، في “إطار الشراكة والتعاون وتحقيق التقدم المشترك لكل شعوب المنطقة”، وبين أن تبقى مُصرة على الانتماء ” لعالم آخر منفصل عن الحقيقة، مازال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بطروحات تجاوزها الزمن” .
هذه الطروحات سقطت مع سقوط جدار برلين، وأصبحت كلها من الماضي هي وأنظمتها والأيدولوجية التي كانت تروج لها سابقاً تحت شعار كلاسيكي لـ”تقرير المصير”، لقد تأكد بعد توالي المتغيرات التي شهدها العالم على أنها طروحات غير ذات معنى في ظل عالم يبحث عن الاندماج والتكامل، هنا سيكون الملك قد أعاد تقديم يده الممدودة في إطار مشروع واضح متعلق بالمبادرة الأطلسية التي دشنها، والتحقت بها جل الدول المعنية بهذا المشروع الطموح المخصص للدول المتواجدة على الساحل-الصحراء، خاصة وأن الملك قد أكد أنه لا يمانع و” لا يرفض ذلك”، أي لا يرفض أن يكون للجزائر منفذ للمحيط الأطلسي لكن ليس بالانفصال ولا بدعم المليشيات التي تعيش موتاً سريرياً، ولا بالاستمرار في سياسة “الحصى في حذاء المغرب”، التي دشنها بومدين وتحولت إلى عقيدة لدى العسكر الجزائري.
الملك في هذه النقطة مثلما كان قوياً وهو يصف هذا العالم الآخر، الماضوي، المُتجاوز، عقيدةً وصيرورة تاريخية، فهو أعاد تقديم يده الممدودة في إطار بناء تكامل اقتصادي واضح ضمن المشروع والمبادرة الأطلسية التي قد تسعف الجزائر في تحقيق “حلم” إيجاد منفذ لها إلى المحيط الأطلسي لكن في ظل السيادة المغربية، ومشروع اقتصادي واضح موجه للمنطقة تكون الجزائر جزءاً منه إن هي تخلت عن عالمها القديم!!
القوة في هذا الخطاب تكمن في أن الملك، رغم كل الشر السياسي والديبلوماسي الذي يصل إلى المغرب من الجارة، لم يتخل عن حلم بناء مشروع متكامل اقتصادياً في المنطقة، تتكامل فيه الشعوب ويكون في خدمة مصالحها ويضمن حقها في التنمية، وهذا الحلم يتقدم به الملك من جديد، وبشكل واضح، عندما أشار إلى أنه لا يعارض مبدئياً الطموح الجزائري ليكون لديها منفذ إلى المحيط الأطلسي، لكن ليتحقق ذلك لابد من أن يمر من قناة طبيعية، تحترم سيادة الدولة المغربية وتنتهي بتفكيك المخيمات وتحرير ساكنتها الذين تحولوا إلى رهائن لديها ولدى مليشيات البوليساريو.
العالم سيكون شاهداً، مرة أخرى، على المغرب وعلى ملكه وهو يتقدم خطوة إلى المستقبل، خطوة في اتجاه ضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي لدول المنطقة، ويعيد تقديم يده الممدودة بشجاعة الكبار، دون عُقد وبروح واضحة تهدف إلى انخراط الجزائر إلى جانب دول الساحل في مشروع المبادرة الأطلسية، وهي مبادرة انطلقت ولن يتوقف قطارها في انتظار أن تتحرر الجزائر من تاريخها الماضوي وعقدها.
لقد أضاعت الجزائر فرصة أن تعيد بناء الاتحاد المغاربي على أسس واقعية، بدل الشطحات التي يتم القيام بها حالياً.
لقد أضاعت فرصة أن تكون جزءاً من مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، وبالمقابل انطلق المغرب في تنفيذ المشروع مع شركائه.
لقد أضاعت فرصة أن تكون جزءاً من تكتل أوروبي يخدم شعوب المنطقة واختارت معاكسة المنطقة كلها، وانطلق المغرب في بناء إقامة شراكاته الاقتصادية مع الدول الأوروبية.
لقد أضاعت فرصة اليد الممدودة، وانطلق المغرب في مدها إلى كل الدول التي اختارت دعم سيادته الكاملة على ترابه.
لقد أضاعت كل فرصة قدمها لها عاهل البلاد، واختارت أن تظل سجينة الماضي وعالمه الذي تم تجاوزه دولياً.
عاهل البلاد يعيد تقديم فرصة للجزائر لتكون جزءاً من مشروع المبادرة الأطلسية، المغرب ماضٍ في تنفيذه وعلى الجزائر أن تختار بين أن تكون جزءاً منه ومن مستقبل المبادرة الأطلسية، أو البقاء في عالمها الذي عزلها عن المستقبل، وفي عزلتها هاته قد تتجه نحو مغامرة غير محسوبة العواقب تجر المنطقة إلى التهديد الأمني!
الملك يقدم برؤيته يداً ممدودة لصناعة التنمية والتقدم بالمنطقة، لكل دولها وشعوبها، بدون مركب نقص وبدون أي خطاب متعالٍ…
وللجزائر ونظامها الخيار بين أن تكون جزءاً من هذا المستقبل، أو تستمر في سياستها التي تُعمق عزلتها الدولية والإقليمية، وتدفعها إلى إهدار ميزانية الشعب الجزائري في التسلح، القرار الآن في يدها، وعلى المجتمع الدولي أن يكون شاهدًا على اختياراتها، ويعمل على منع جر المنطقة نحو الهاوية !!!

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 11/11/2024