هل غيرت فرنسا نظرتها للغة العربية؟
باريس- يوسف لهلالي
هل غيرت فرنسا نظرتها السلبية تجاه اللغة العربية، والتعامل معها كباقي اللغات العالمية بعيدا عن النظرة الاستعمارية التي طبعت هذه العلاقة في القرن الماضي على الخصوص، واعتبارها لغة منافسة ومهددة لنفوذها في المناطق التي استعمرتها أو من خلال تشجيع لغات محلية في العديد من البلدان التي قامت باحتلالها على حساب اللغة العربية أو أحيانا خلق والدفع بلغات حية انقرضت.
في خطاب الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون ضد الانفصالية، حث بلده على تعزيز تعلم اللغة العربية في المدارس الجمهورية و”تعليمها أكثر لأن شبابنا سيكون غنيا بهذا التعدد “وذلك في خطابه يوم 2 أكتوبر الأخير .
بعد أن تنبهت السلطات الفرنسية إلى أن تعليم هذه اللغة في إطارات غير مهيكلة، يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة لغياب أية مراقبة بيداغوجية أو خطورة استعمال هذه الدروس من طرف جماعات متطرفة من أجل استقطاب شبان فرنسيين أو من أصول مهاجرة.
هذا التحول في الموقف الفرنسي من اللغة العربية ليس جديد بل بدأ عبر مراحل، منها اختيار الرئيس الفرنسي التخاطب مع اللبنانيين باللغة العربية عبر تغريدة بالعربية على تويتر عند زيارته الاخيرة لهذا البلد ، وذلك لمعرفته بالحس القومي العربي في هذا البلد المتوسطي الصغير، الذي كان له تأثير كبير في فكر وتيار القومية العربية من خلال مفكرين بارزين مثل ميشيل عفلق أحد مؤسسي البعث العربي أوهو القادم من سوريا.
رغم أن ردود الفعل كانت متباينة بين الترحيب والاستنكار حول هذا النص بالعربية لرئيس وحول قضية سيادة لبنان، وهي ليست المرة الأولى التي يستعمل فيها الرئيس الفرنسي اللغة العربية في تغريداته، فقد سبق له أن رحب برئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ب”أهلا وسهلا” خلال زيارته لباريس سنة 2017، وفي 2018 عند زيارته للإمارات العربية.
وهو تحول كبير في تعامل الفرنسيين مع اللغة العربية على أعلى مستوى، رغم أن عددا كبيرا من المحافظين في اليمين واليمين المتطرف مازال فقط ذكر اسم اللغة العربية يثير فيهم الخوف والرعب، ويحاربون ايه خطوة تقوم به الحكومة الفرنسية من اجل التعامل مع العربية بدون أية خلفية أيديولوجية مثل باقي اللغات.
وسبق لوزيرة التعليم الفرنسي نجاة فالو بلقاسم في الفترة الرئاسية لفرنسوا هولند ،أن اقترحت مشروع قانون في من أجل تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية كباقي اللغات، لكن هذا القرار أثار حفيظة العديد من النواب اليمينين وجدلا ليس وسط اليمين المتطرف بل حتى وسط اليمين الكلاسيكي بفرنسا، الذي اعتبر ذلك القرار مسا بوحدة اللغة الوطنية، وكأن الوزيرة طالبت بتعويض تعليم الفرنسية باللغة العربية. في حين أن الأمر يتعلق بتدريس لغة أجنبية بين عدد كبير آخر من اللغات الأجنبية بالمدارس مثل الصينية، الإنجليزية،الألمانية وغيرها من اللغات التي تتم في النظام المدرسي الفرنسي.
نفس الهجوم تعرض له جون ميشيل بلانكير وزير التعليم الحالي ،عندما تحدث عن تعليم العربية في المدارس. ويتم دائما ربط هذه اللغة بالهجرة، بالإسلام وحتى بالإرهاب وهو ما يجعل صورته تعاني من هذا النقص، رغم أن 3 ملايين من سكان فرنسا يتحدثون العربية حسب الاحصائيات الرسمية.
ورغم أن تاريخ العربية طويل بفرنسا، فقد خلق كرسي تدريس العربية الملك فرنسوا الأول سنة 1530 بكوليج دوفرانس بباريس، عندما كانت تعتبر هذه اللغة الأساسية لمعرفة العلم وتطوراته.
ومعهد مونتين في دراسته التي نشرها سمة 2018 ،نصح المسؤولين السياسيين بضرورة تطوير تدريس العربية بفرنسا.
اليوم حوالي 60 ألف طفل يتابعون دروس اللغة العربية بالمدارس العمومية لكن خارج أوقات الدراسة الاعتيادية.
وزير التعليم السابق ورئيس معهد العالم العربي جاك لونغ، قال حول الموضوع في تصريح خصني به “إن العربية اليوم بفرنسا لها صورة سيئة، وذلك لعدة اعتبارات مرتبطة بفترة الاستعمار الفرنسي والأحداث الدولية المرتبطة بالإسلام السياسي، وهناك من المسؤولين السياسيين، من يعتبر أن تعلم العربية لأبناء المهاجرين المقيمين بفرنسا، سيحول دون اندماجهم في المجتمع الفرنسي.
في هذه الظروف، تم الربط في فرنسا بين العربية وبين كل أنواع الفشل، التي تعيشها الأحياء المهمشة بالمدن، والتي يقطنها أبناء المهاجرين. وأضاف أن هذه اللغة اليوم، هي اللغة الخامسة كونيا من حيث الاستعمال في مجالات عديدة، وهي إحدى لغات الأمم المتحدة.”
وفيما يخص تعليم العربية اليوم بفرنسا ، التي تدرس بالمدارس العمومية ، ” لا تعطى لها الأهمية الكافية حسب جاك لونغ و”ليس هناك اهتمام كبير بها وبالتعدد اللغوي بفرنسا بصفة عامة”، بالإضافة الى الجدل الذي يخلقه دائما المنتمون إلى اليمين المتطرف ، الذين كانوا دائما ضد التعدد اللغوي وضد تعلم لغات مثل العربية. وذكر وزير التربية السابق في حكومة جوسبان ما بين 2000و2002 انه شجع تعليم اللغة العربية وخلق عددا أكبر من المتخصصين في تدريسها ولكن بعد رحيله من الوزارة سوف يتم التخلي عن هذا التوجه.
لكن هذا الوضع بدأ يتغير، ولو ببطء من خلال استعمال هذه اللغة في بعض المرافق السياحية وفي بعض محطات الميترو التي يمر منها سياح عرب. والتعامل معها كلغة أجنبية كباقي اللغات وليست تهديدا للغة الفرنسية .
في كتابه “اللغة العربية كنز فرنسي ” دافع جاك لونغ رئيس معهد العالم العربي عن اللغة العربية باعتبارها كنزا فرنسيا وكنزا كونيا، وتساهم في الحفاظ على التعدد اللغوي بفرنسا، واعتبر أن أية لغة هي نافذة على باقي العالم، وأن كل لغة تصف العالم بطريقة مختلفة عن الأخرى، وأضاف أن تعدد اللغات يساعد على العيش المشترك، وأن أوربا بعد الحرب اعتمدت اتفاقية في هذا الإطار، وهي الاتفاقية الثقافية الاوربية لسنة 1954 التي شجعت تدريس اللغات والثقافات.
وأشار جاك لونغ في كتابه إلى التناقضات التي تعيشها فرنسا، والتي تشجع الفكرنكوفونية، التي تعتبر رمزا لتعدد الثقافي وحاجزا ضد هيمنة الإنجليزية على باقي اللغات الأحرى، لكن في نفس الوقت ليست لنا سياسة لتشجيع تعلم اللغات، وليست لنا مساواة بين اللغات سواء في المجتمع او في المدرسة.”
وغياب هذه المساواة بين اللغات، هو مشكل اللغة العربية اليوم بفرنسا، بالإضافة إلى غياب دور المدرسة العمومية في تعليم هذه اللغة، التي دخلت كمادة في كوليج دوفرانس في القرن السادس عشر.06
الكاتب : باريس- يوسف لهلالي - بتاريخ : 17/10/2020