هل فعلاً انتصرت الحكومة؟ أم أن الخطاب الملكي أطلق جرس الإنذار؟

نورالدين الزوبدي

تحاول أحزاب التحالف الحكومي تسويق فكرة مضللة مفادها أن خطاب الملك حمل إشادة صريحة بأداء الحكومة، وأنه عبّر عن رضاه عن مجهودات الوزراء والبرلمانيين، في حين أن هذا النوع من العبارات يدخل ضمن الأدبيات الدبلوماسية المعهودة في الخطب الملكية، ولا يمكن قراءته كـ»تزكية» مباشرة.
ما تخشاه هذه الأحزاب هو الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها: الحكومة تعيش أزمة عميقة بسبب الرفض الشعبي المتزايد لسياساتها الاجتماعية. هذا الرفض لم يتأخر في التعبير عن نفسه، فقد أعقب مباشرة الندوة الصحفية التي عقدها رئيس الحكومة، والتي سخّرت لها القناتان العموميتان، محاولةً لإقناع الرأي العام. غير أن النتيجة جاءت معاكسة، إذ اندلعت احتجاجات شعبية أمام المستشفى الإقليمي بأكادير، داخل جماعة يرأسها رئيس الحكومة نفسه، في رسالة قوية على تآكل الثقة بين المواطن والحكومة.

والمفارقة أن الشعارات الكبرى التي رفعتها هذه الحكومة، وعلى رأسها «الدولة الاجتماعية»، انهارت في وقت قياسي. فبعد أن كانت تُقدَّم كمشروع طموح مدعوم بالأرقام والمنجزات المعلنة، وُصفت أحياناً بأنها غير مسبوقة في تاريخ المغرب، تبيّن أن الواقع مختلف تمامًا. فقد فشلت الحكومة في ترجمة هذا الشعار إلى سياسات ملموسة تستجيب لحاجيات المواطنين.
والسبب الجوهري في هذا الفشل يعود إلى التناقض البنيوي داخل التحالف الحكومي نفسه. فالأحزاب المشكلة له، وإن تبنّت نظرياً خطاب الدولة الاجتماعية، إلا أنها في جوهرها أحزاب ليبرالية، لا تتبنى فعلياً القيم التي تقوم عليها هذه الرؤية. وبالتالي، جاء تنزيل هذا المشروع بشكل مشوه ومفارق، أفرغه من محتواه الحقيقي، ما دفع شرائح واسعة من الشباب إلى الخروج للاحتجاج، تعبيراً عن شعورهم بالإقصاء والخداع.
وحين جاء الخطاب الملكي بصيغته المتوازنة والحكيمة، توهّمت الحكومة أن العاصفة قد مرت، وأنها خرجت منتصرة.
لكن قراءة متأنية تكشف العكس. فحين شدد جلالة الملك على ضرورة تقليص التفاوتات المجالية، ومنح الأولوية لملفات التعليم، والصحة، والتشغيل، فإنه بذلك ينصف الشباب المحتج، ويقرّ بشرعية مطالبه، موجهاً رسائل واضحة للحكومة لإعادة ترتيب أولوياتها.
والأهم، أن جلالة الملك أسند مهمة إعداد برنامج التنمية المجالية الجديد إلى وزير الداخلية، لا إلى رئيس الحكومة، وهو مؤشر بالغ الدلالة.
ما يحدث اليوم هو محاولة لتزييف مضمون الخطاب الملكي وتحميله ما لا يحتمل. فالتحفيز لا يعني التزكية، والتوجيه لا يعفي من المحاسبة. أما الشارع، فلا يزال ينبض بالحياة، ويؤكد يوماً بعد آخر أنه حاضر، ومتابع، وواعٍ.
وفي النهاية، فإن الجواب الحقيقي على سؤال: هل انتصرت الحكومة أم لا؟ لا يمكن أن يُفصل فيه عبر التصريحات السياسية أو قراءة انتقائية للخطاب الملكي، بل من خلال فتح آفاق إصلاح حقيقي يهم القوانين الانتخابية، بشكل يعزز الثقة، ويكرّس مبدأ الإنصاف، ويضع حداً لاستخدام المال والنفوذ في العملية السياسية.
كما أن الحرص على ضمان تكافؤ الفرص بين جميع الفرقاء، وتأمين شروط انتخابات نزيهة وشفافة، يظل المدخل الأساس لإجراء استطلاع حقيقي لإرادة الشعب، وتقييم دقيق لما إذا كانت هذه الحكومة فعلاً تحظى بثقة المواطنين… أم لا.

الكاتب : نورالدين الزوبدي - بتاريخ : 13/10/2025