هل يحقق المرشح اليساري جان لوك ميلانشون المفاجأة؟

باريس يوسف لهلالي
هل يتأهل مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون إلى الدور الثاني لمواجهة الرئيس إيمانويل ماكرون، وهل يصبح سفينة نوح التي تنقذ اليسار الفرنسي الذي اختفى من الساحة السياسية، أسئلة طرحها استطلاع للرأي قامت به جريدة «ليبيراسيون» هذا الأسبوع، وهو ما دفع المرشح إلى رفع وتيرة حملته الانتخابية، وهي دينامية يصبو من ورائها إلى ضمان تأهله للدور الثاني في هذه الانتخابات، وهو موقع تمنحه التوقعات لمارين لوبين، والتي ستنافسه بقوة على هذه المرتبة حسب أغلب الدراسات، إذا لم يتجاوب ناخبو اليسار مع هذا المرشح.
هذا الحزب أيضا يراهن على الأقليات داخل المجتمع الفرنسي من المغاربيين والأفارقة والأقلية المسلمة بصفة عامة، باعتباره المرشح الوحيد الذي دافع عن الإسلام كمكون من مكونات المجتمع الفرنسي ودافع عن الهجرة والمهاجرين ودورهم أيضا في المجتمع الفرنسي، ولم يتردد في مواجهة الأحزاب المتطرفة والإعلاميين الفرنسيين المقربين من هذه التيارات، وعدد الفيديوهات التي تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي بينت تشبث هذا المرشح بمبادئ المساواة والحرية التي نسيها أغلب المتنافسين خاصة اليمين واليمين المتطرف.
ميلانشون يعطي دائما نموذج عائلته الصغيرة التي عاشت بالمغرب، وبالتحديد بطنجة التي ازداد بها، وهو الذي ينتمي لعائلة كاثوليكية، وكيف كان التسامح مع التعدد الديني والتعايش بين مختلف الأقليات بهذه المدينة المغربية.
هذا التقدم الذي حققه جان لوك ميلانشون أو مارين لوبين في هذا الأسبوع، جعل الشك والارتباك يخالج فريق الرئيس المرشح، وزاد هو الآخر من تعبئة أنصاره من أجل التصويت، خاصة أن هذه الانتخابات ستكون صعبة ومليئة بالمفاجآت، لأن حوالي ثلث الناخبين الفرنسيين لم يفصحوا بعد حول اختيارهم في هذه الانتخابات، ولا يعرفون بعد لمن يمنحون صوتهم في هذا السباق الذي يضم 12 مرشحا في حلبة السباق من أجل قصر الإيليزيه.
عزز زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون موقعه في المرتبة الثالثة بنسبة 16 بالمئة من نوايا التصويت، آملا في اختراق صفوف هذا الثنائي، مؤكدا أن سيناريو دورة ثانية بين ماكرون ولوبين «لن يحصل» هذه المرة.
مرشح اليسار يواجه لثالث مرة مارين لوبين، وهو السياسي الوحيد تقريبا الذي يصارع اليمين المتطرف وزعيمته على مستوى الأفكار والمبادئ أكثر من باقي مكونات اليسار الفرنسي، منذ انتخابات 2012، وسبق أن واجهه في الانتخابات التشريعية «بهيني بومو»، هذه المدينة العمالية للمناجم بالشمال وخسر الرهان ،وهو ما يعني أن اليمين المتطرف عوض اليسار بالأحواض المنجمية بشمال فرنسا.
في سنة 2016 بعد تأسيس «فرنسا الأبية»، قام ابن طنجة بمواجهة لوبين على مستوى الرموز، من خلال اعتماد حضور للرايات الوطنية وترديد النشيد الوطني الفرنسي في كل تجمعاته حتى لا تحتكر لوبين ذلك، المواجهة انتهت مرة أخرى لصالح لوبين،وتأهلت إلى الدور الثاني سنة 2017 بفارق 600 ألف صوت فقط لصالحها لتواجه ماكرون في الدور الثاني.
هل يتحول ميلانشون إلى سفينة نوح لليسار الفرنسي؟ هذا السؤال بدأ يتردد هذا الأسبوع، وبدأت بعض الدعوات للتصويت النافع في أوساط اليسار، وعدم تشتيت الأصوات بين باقي ممثلي اليسار الآخرين سواء مع الاشتراكية آن هيدالغو، أو زعيم الخضر يانيكجادو، أو فليب بوتووارطو عن اليسار المتطرف.
طبعا، داخل اليسار وخاصة داخل عائلته الاشتراكية هناك من يعتبره مسؤولا عن الأزمة السياسية التي عاشها المشهد السياسي والذي انتهى بتراجع الأحزاب الكبرى سواء في اليمين أو اليسار.
وهو ليس غريبا عن المشهد حيث غادر الحزب الاشتراكي سنة 2008 ليؤسس حزب «فرنسا الأبية» سنة 2016 وتمكن من المشاركة في الانتخابات الرئاسية والحصول على نتائج محترمة كأول حزب باليسار، وهي المرتبة التي كانت تعود للاشتراكيين في العقود الأخيرة، اليوم العائق أمامه هي صورة السياسي اليساري الراديكالي التي تلاحقه وسط الرأي العام الفرنسي التي يمكن أن تكون حاجزا في مروره بسهولة إلى الدور الثاني لهذه الانتخابات.
هذه الأزمة أو التحول في المشهد السياسي هو أزمة عابرة أو تحول في المشهد السياسي سواء بالنسبة لليمين أو بالنسبة لليسار، ميلونشون يعترف أنه جزء من هذا التحول منذ أن غادر الحزب الاشتراكي، ويعتبر أن هناك تحولا في المشهد السياسي بفرنسا وأن الراديكالية هي جزء من المشهد وهو ما يؤاخذه عليه خصومه.
ويعول جون لوك ميلونشون على الأقليات الأجنبية خاصة المسلمة في هذه الانتخابات، وهي أقلية صوتت لصالح الرئيس المنتهية ولايته ايمانويل ماكرون والذي كان له موقف ليبرالي حول الهجرة وحول الإسلام في الانتخابات السابقة، ليتحول موقفه عندما تحمل المسؤولية إلى موقف جد محافظ، وتحالف مع شخصيات يمينية محافظة أيضا وأصدر قانون النزعة الانفصالية، لأنه اليوم يراهن أكثر على أصوات هذه الفئة من الفرنسيين من أجل النجاح في عهدة رئاسية ثانية.
وأمام هذا التحول سوف تتأرجح أصوات هذه الفئة من الفرنسيين من أصول مهاجرة ومسلمة بين العزوف عن التصويت أو التصويت على مرشحي اليسار خاصة للذي له حظوظ أكثر، وهو ممثل «فرنسا الأبية» جون لوك ميلانشون.
مجموع هذه التوقعات سوف يجيب عنها الفرنسيون في الدور الأول لهذه الانتخابات هذا الأحد.
الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 09/04/2022