والكل في فاس … هنا معبد النضال فطوبى للعابدين

عبد السلام المساوي

بتنظيم من الكتابة الإقليمية لفاس، ترأس الأستاذ إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حفل تكريم الأستاذ النقيب محمد الصديقي، يوم أمس الجمعة 13 أكتوبر 2023 في الساعة الرابعة بعد الزوال بالقاعة الكبرى لجماعة فاس.
الثالوث التاريخي العظيم، تخليد ذكرى القائد الكاريزمي عبد الرحيم بوعبيد، تخليد ذكرى توقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال، تكريم الأستاذ محمد الصديقي…
هنا فاس، هنا التاريخ، هنا الحضارة، قلعة النضال والكرامة، فاس التي حررت المغرب من الاستعمار، التي حررت الإنسان المغربي من الجهل، فاس التي حطمت الأوهام والأصنام، فاس التاريخ الحي المتجدد، مدرسة في الوطنية والمواطنة، قلعة النضال الوطني والديموقراطي، وفي البدء كانت فاس، وفي البدء كانت الكلمة، كلمة «اقرأ «، فاس علمتنا القراءة ،علمتنا الكتابة …
فاس أعطت لوجودنا معنى، هي عنوان الكينونة، هي أكثر من مدينة، هنا معبد الروح فطوبى للداخلين، في فاس توفرت كل مقومات مفهوم المدينة …هي الحاضرة …هي القاطرة .
تحية احترام وتقدير للكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي بفاس التي تنظم الحفل – الحدث، والتي وفرت له كل شروط النجاح، تحية اعتراف وتنويه بالكاتب الإقليمي، الأخ والصديق جواد شفيق ( على قدر أهل العزم تأتي العزائم..)، وتتكلم فاس لغة الاتحاد الاشتراكي …
تحية لكل من يساهم في إنجاح الحفل، تحية لكل مناضلات ومناضلي فاس، قيادة وقاعدة…
أمي، رحمها الله، كانت تباهي الأهل والجيران، قائلة (عبسرام يغرا ذي فاس)، بمعنى (عبد السلام قرأ في فاس)..
في فاس خفق القلب للحب، للحياة…في فاس عانقت النضال المعرفي والسياسي، فاس عنوان شبابي، عندما أزور فاس وأنا فوق الستين، أعود إلى فاس التي احتضنتني وأنا في عمر الزهور، من 18 سنة إلى 22 سنة…من 1976 إلى1980…

فاس دعي لي فراشا بين فضاءاتك، وسادة بين أزمنتك …
كي أحبك أكثر وكي أستريح أكثر !
كم تغيرت أحوالك ولم يتغير لي حال ؟
ظللت بك اسما على مسمى، سعيدا، ولو أن جراح الصدر كانت تزهر أكثر، توجع أكثر، كلما سألت؛
أينك انت ؟
حاضرة فاس هي عاصمة للعلم وللحب، هي عاصمة تمتاز بحمولة تاريخية حضارية ثقافية قوية، قد يصعب اختزالها في تصور أو مخطط حضري …
هي بحق مدينة تاريخية، ولكن قد لا تظهر شيخوختها للعيان عبر معالمها أو تراثها أو معمارها أو هندستها، هي مدينة تاريخية يشهد معمارها تقلبات الأعقاب التاريخية …
ليست كشبيهتها من المدن المغربية، هي كتاب مفتوح للتاريخ، يقرأه الزائر ببساطة. هي حاضرة تخفي ماضيها محتشمة في إظهار رصيدها الحضاري، حمولتها التراثية والثقافية .
مدينة فاس تبدو متناقضة، هي في آن واحد حاضرة جميلة ومدينة تشوبها الكثير من العيوب، مدينة بسيطة وفي نفس الوقت صعبة ومعقدة في تناولها وقراءتها وتحليلها العلمي الثقافي الحضاري، مدينة فريدة ومتعددة، موحدة ومتنوعة، مفتوحة ومنغلقة، واسعة وخانقة، حاضرة مركبة تتداخل فيها الأعمار والأشكال والأنواع المعمارية والأنماط والمرجعيات الهندسية .
مدينة فاس مدينة تطبعها الجغرافيا بتضاريسها الوعرة والجبال الجميلة المحيطة بها والوديان التي تشكلها وتعبر جسمها بمنطق الرفض والتجاهل لأجمل ما أبدعته الطبيعة .
كمثيلاتها كذلك راكمت فاس في العقود السابقة اختلالاتها في نسقها وتعميرها ومعمارها وأحيائها وهندستها ووظائفها وساحاتها وحدائقها ونمط العيش من جراء الإكراهات والإرهاصات وتداعيات التزايد الديموغرافي وقوة الهجرة من الأرياف، وضغط الطلب على السكن والمرافق الحضرية والبنيات الأساسية، وإكراهات قابلتها لزمن عمر طويلا وغياب آليات التخطيط الحضري وقلة المهنية في التصور والتخطيط والتدبير المجالي وافتقاد الإمكانيات والوسائل المادية والتقنية…
فرض التعمير على مدينة فاس بدل التحضير له، خاضعة لثقل وكبر نموها الحضري لمدة عقود بدل التخطيط له والاستعداد لاستقبال الأحياء التي تفرعت بالشكل العشوائي والطابع القروي، الذي تعرفه اليوم مدينة عمرها طويلا منطق الفوضى غير المتحكم فيه بدل مبدأ النظام، نتج عنه تشتت أجزائها، فقدان وحدة وانسجام نسقها، توسع تعميرها، تفرع أحيائها، تنوع مظهرها، اختفاء معالمها، إهمال تراثها، اختناق مركزها وأسواقها، افتقاد زينتها، استهلاك مفرط لعقارها، ارتفاع مهول لكلفة تدبيرها، العناء اليومي لساكنتها….
دعيني أتذكرك …فاس حبيبتي ..عشقتك وأنا شاب وأعشقك وأنا شيخ …أنت جميلة وساحرة ( ويلا مشا زين يبقاو حروفو )
دعي لي فراشا بين فضاءاتك، وسادة بين أزمنتك…
كي أحبك أكثر وكي أستريح أكثر !

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 14/01/2023

التعليقات مغلقة.