وانتصر شنقريحة!!

نوفل البعمري

تابعنا جميعا المزاج العام، الذي طبع الجماهير المغربية، وهي تتابع مباريات المنتخب الجزائري في كأس إفريقيا، وكيف أن الغالبية انتصرت في تشجيعها لكل الفرق التي لعب ضدها، ومع كل هزيمة للمنتخب الجزائري حوَّلوا الأمر لمجال للسخرية من النظام السياسي الجزائري ومن مختلف أقطابه العسكرية والسياسية والإعلامية.

هل كان يجب أن نتفاجأ من رد الفعل العفوي هذا للجماهير المغربية؟!

الجواب واضح، لم يكن لنا أن نتفاجأ، وإلا كنا سنكون غير منسجمين مع أنفسنا أو على الأقل نلعب دورا في تضليل المتابعين والقراء.

المغاربة الذين انخرطوا بتلقائية في حملة سخرية واسعة من النظام السياسي الجزائري، يبدو أنهم “يئسوا” من الجارة، عندما شاهدوا تدوينات تبون عند هزيمة المنتخب المغربي أمام نظيره الجزائري، وعندما شاهدوا تصريحات الجماهير الجزائرية على قنوات الشروق، النهار.. المسيئة للمغرب، وعندما تابعوا كيف انخرطت جل مؤسسات الدولة الجزائرية في حملة تهنئة للمنتخب الجزائري عند انتصاره على المنتخب المغربي، وكأنهم كانوا في حالة حرب حقيقية ضد المغرب وليس في مقابلة لكرة القدم، لها قواعدها وقيمها الإنسانية العالمية التي يبدو أن الجارة قد فقدتها بشكل نهائي وكلي.

لقد شعر المغاربة بأن هناك شيئا على غير ما يرام داخل الجزائر امتد، للأسف، للشارع الجزائري، على الأقل من خلال ما تناقلته قنوات شنقريحة، وشعروا بخيانة ارتُكبت في حق المغرب، الذي كان قد اختار جمهوره والملك بنفسه التعبير عن سعادتهم لفوزه بكأس إفريقيا في نسخته السابقة، لكنها سرعان ما اصطدمت بجدار إسمنتي من الحقد الرسمي الجزائري ضد كل ما هو مغربي.

حالة العدوانية التي أبدوها في مختلف المستويات في كأس العرب تجاه المغرب، خلقت ردة فعل طبيعية داخل الجماهير المغربية دون أن تحرضها أية جهة، جعلها تحرص على متابعة المقابلات الكروية بهذه الكأس القارية، بحماس كبير وبسخرية لاذعة، اكتشفنا معها نحن قوة هذا الشعب ووطنيته، وأنه مدرك لكل ما يجري أمامه وبمحيطه، وبالقدر الذي يبدو هادئا، متعقلا، قد يتحول فجأة وبدون سابق إنذار لشعب يرد بقوة على كل الحملات التي استهدفته بسخرية جميلة، قوية وبأدب كبير، هذا الأدب الذي افتقده معلق رياضي اسمه عبد الحفيظ الدراجي، الذي تحتاج قناة “بين سبور” إلى أن تقف بجدية على سلوكاته المشينة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي السلوكات التي تسيء للقناة ولقطر الشقيقة مادامت القنوات تبث من أراضيها وبدعم سياسي ومالي قطري.

أمام الحالة التي تعيشها الجزائر، وانخراط نظامها السياسي في استغلال كل شيء من أجل إظهار عدوانيته تجاه المغرب، من المفروض أن تتحرك النخب الجزائرية لتنقذ الشعب الجزائري من حملة الشحن والحشد العاطفي على الطريقة الإيرانية ضد الجيران، شحن عدواني يتم على كل أطياف الشعب الجزائري، الذي يعيش للأسف حالة من التدجين تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا مستشعرين لخطر الجهل الذي يعممه نظام شنقريحة داخل الشارع الجزائري، حتى بات مقتنعا بأن “دولة هوك” قامت بإرسال الجن واستعمال السحر لينهزم الفريق الجزائري ويُقصى.

أن يصل هذا النظام لاستعمال الدجل والدجالة لتبرير هزيمة كروية لمنتخبه، فهذا دليل على الإفلاس العام الذي يعيشه النظام الجزائري، الذي كان يراهن عليه للفوز بالكأس للإعلان عن نفسه كفريق كروي للقوة الضاربة التي لا تقهر، إنها وضعية تجعلنا نتأسف على بلد جار أنجب أدباء وكتابا ومثقفين، انتهت به إلى تعميم الجهل، والدجل!!

الجزائر لا تستحق هذه الوضعية التي جعلته أضحوكة في المنطقة،

يمكن قولها بوضوح، لقد انتصر شنقريحة في طمس هوية الجزائر، وفي تدجين شعبها في ظل صمت مريب لنخبها، على الأقل، مثقفيها ممن يقيمون بالخارج الذين لا تستطيع مخابرات العسكر أن تطالهم بالانتقام.

لقد انتصر العسكر في تدجين قطاع واسع من الشعب الجزائري، وحوله لأداة في معركته الفاشلة ضد المغرب، هذا النظام الذي لم يكن يرى في البطولات القارية غير قشة لإنقاذ نفسه والتعويض عن سلسلة الهزائم التي تلقاها في ليبيا وفي الصحراء وفي الأمم المتحدة، حتى بات معزولا في المنطقة ولم يكن له غير التشبث بكرة القدم ليعود للواجهة، وهو ما يفسر حرص شنقريحة على الظهور في وسائل الإعلام الجزائرية وهو يتسلم كأس العرب من يد لاعب جزائري في مشهد لم يكن له أن يحدث سوى في شيلي بينوشي، وفي إسبانيا عهد فرانكو، وفي كوريا الشمالية…

النظام الجزائري لم يكن يرى في هذه البطولة غير مناسبة لتلميع صورته، وتبييض وجهه أمام الشعب الجزائري، وكأنه هو من فاز وانتصر وليس اللاعبين.

لقد انتصر شنقريحة وانهزمنا نحن، ممن كنا نراهن على جزائر أخرى ممكنة!! يبدو أنها بعيدة التحقق، جزائر المؤسسات والتداول السلمي على السلطة.

لقد انتصر شنقريحة وانهزمنا نحن ممن كنا متمسكين بشعار “خاوة-خاوة” حتى في عز الأزمة التي عاشها المغرب مع هذا النظام، اعتقادا منا أن المنطقة تحتاج للهدوء والتعايش أكثر من جرها لمواجهات بئيسة كبؤس نظام العسكر، ويبدو ذلك من خلال ردود الفعل الواسعة الشعبية التي لم تستسغ إقحام تبون وشنقريحة وإعلامهما في فوز المنتخب الجزائري على المنتخب المغربي، مؤخرا، وتحويل هذا الفوز لموقعة تصريف المواقف السياسية لهذا النظام.

انتصر شنقريحة، وانهزم الشعب الجزائري ومعه المنطقة ككل في بناء مغرب كبير قوي، متكامل.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 24/01/2022