وفاء للقائد الكاريزمي سي عبد الرحيم بوعبيد… المضي في الطريق

عبد السلام المساوي

 

« بوعبيد ارتح ارتح …الاتحاديات والاتحاديون ما زالوا وسيبقون في الطريق « …أنت مدرسة لا يلجها إلا الصادقون الأوفياء لرفعتك …أنت المعلم ونحن التلاميذ ؛ حراس المعبد ، حراس تاريخك وإرثك ووصاياك …أنت الضمير الذي ينبهنا ويهدينا …
لا خوف على مدرسة أنت مؤسسها، لا خوف علينا ولنا قائد يوجهنا ويهدينا ؛ إنه الأستاذ إدريس لشكر الابن السياسي الشرعي لمدرستك…
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سليل الحركة الوطنية الديمقراطية، وحامل مشعل الفكر الاشتراكي الديمقراطي، المشبع بقيم الحداثة والتقدم، ومبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والحق في العيش الكريم؛
يستحضر في البداية تضحيات كل رجاله ونسائه الذين قدموا الغالي والنفيس، لتستعيد بلادنا سيادتها على كافة أراضيها وتتحقق الوحدة الوطنية والترابية؛
ويقف وقفة إجلال وخشوع أمام أرواح كل شهدائه الذين سيبقى وفيا لما قدموه لهذا البلد، في تناغم قل نظيره، بين رجال ونساء الحركة الوطنية، وصاحب الجلالة المغفور له محمد الخامس، وهما الطرفان اللذان أسسا لثورة ملك وشعب لا تزال معالمها بادية لحد الساعة.
وإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، اعترافا منه لما قدمه مناضلوه ومناضلاته، لن يدخر أي جهد في ترسيخ ما ناضلوا من أجله، وذلك بالتذكير بتاريخهم في كل المحطات الحزبية بصفة عامة، وفي تخصيص يوم سنوي لهم، شعاره الوفاء ثم الوفاء؛
وإذا كان حزبنا يعتبر أن الوفاء واجب حزبي، فإن ذكرى شهدائه ستبقى محطة لاستحضار ما بقي مستمرا من فكرهم، وما أسسوا له من مبادئ وأهداف، كل في مجال عمله، الحزبي أو النقابي أو الإعلامي أو المدني، ومحطة لوضع وتطوير آليات الاشتغال.
إن يوم الوفاء الذي تبناه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فرصة لاستعراض استمرارية حزبنا في الوفاء لأدبيات شهدائه. ويكفي الاتحاد الاشتراكي فخرا أنه بقي وفيا لدينامية العمل التنظيمي، الذي أصبح آلية منتظمة، يجدد الحزب خلالها هياكله وقطاعاته.
في صيف 1974، وبالذات يوم الأحد 15 شتنبر 1974 ، تحول الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، وبمناسبة أول اجتماع عقدته اللجنة المركزية برئاسة المرحوم عبد الرحيم بوعبيد بمنزل عائلة بنبركة بالرباط، وكان ذلك مباشرة بعد تبرئة وإطلاق سراح قادة الحزب الذين كانوا متهمين في أحداث مارس 1973 . في ذلك اليوم قال الشهيد عمر بنجلون مخاطبا أعضاء اللجنة المركزية وبنبرة حادة تطبعها الصرامة :» أيها الإخوان كفى من التجارب البدائية التي تنقصها المنهجية والكفاءة والتي تتسبب في سقوط ضحايا دون أن تزعج قطا ! أن قيادة الحزب هي ما يوجد الآن داخل الوطن ، أما من هم خارج الوطن فلم نعد نقبل أن نتحمل تبعات أخطائهم ، وكان مطلوبا منا ونحن رهن الاعتقال أن نتنكر لهم ونستنكر أفعالهم .لم نفعل هذا وكانت حريتنا معرضة للخطر من جراء امتناعنا عن التنكر لإخواننا ، بل إن أرواحنا كانت في خطر….أما الآن فلن نسمح لأحد في الخارج بأن يقوم باسم حزبنا بأعمال لا نقبلها، ولن نسكت مستقبلا عن أي ممارسة لا مسؤولة …»
وبعد أربعة أشهر ، وفي يناير 1975 ، ينعقد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد ، وفي تقديمه للتقرير المذهبي أمام المؤتمر، يقول الشهيد عمر :» إن القرار بتحضير وعقد هذا المؤتمر الاستثنائي ، كان تعبيرا عن اختيار جوهري وشامل ، فبالرغم من القيود المفروضة على حزبنا، ومن وجود مئات من المناضلين في المعتقلات المعروفة والمجهولة ، قرر الاتحاديون بصفة جماعية استئناف العمل على تطبيق القرارات والاختيارات التي سبق أن حددوها قبل حوادث مارس 1973 .
يمكن أن نؤكد بكل اعتزاز أن هذا المؤتمر ، بالرغم من أنه مؤتمر استثنائي ، حضر وعقد في ظروف استثنائية، هو مؤتمر القاعدة الاتحادية كلها، مؤتمر المناضلين الأوفياء كلهم، مؤتمر المناضلين الشاعرين بمسؤولياتهم التاريخية ، مؤتمر استمرار حركة التحرير الشعبية ببلادنا .
إلا أن الاستمرار لا يعني الجمود في التفكير والأساليب، إنه استمرار النضال وجدلية النضال، في ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية في تغيير دائم، والقوات المتصارعة هي نفسها في تغيير دائم مع ما يترتب عن ذلك من تقلبات في أشكال وميادين الصراع اجتماعيا وسياسيا وإيديولوجيا …»
في قمة الزمن الأسود والقمع الهمجي الأعمى يفتك بالبلاد، والديمقراطيون الحقيقيون يعيشون المحن، والمؤسسات والوحدة الترابية نفسها قد أصبحت في خطر ، في ظل هذه الظروف بلور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، خلال مؤتمره الاستثنائي سنة 1975، استراتيجية النضال الديمقراطي ، والرهان على أن انتصار الديمقراطية والتقدم الاجتماعي يقتضي الانخراط الواعي ضمن دينامية مجتمعية وتاريخية يتفاعل فيها الموضوعي والذاتي، بما يعنيه ذلك من قطع مع الشعبوية من جهة، ومع الاتجاهات الانتهازية والمتقاعسة من جهة أخرى …
نجح اختيار النضال الديمراطي وفشلت الاختيارات المضادة ، لأن الاختيار الديمقراطي كان استجابة لأسئلة الواقع المغربي وأملته التحولات السياسية والاجتماعية ..إنه نجح لأنه أراد الدفع بحركة التاريخ إلى الأمام ، نحو المستقبل ، نحو البناء …إن الواقع المغربي يتغير، أسئلته تتغير، من هنا وجب البحث عن أجوبة جديدة تستجيب للحظات التطور التاريخي …
ونسجل بأن الاتحاد الاشتراكي، في الوقت الذي كانت فيه الساحة السياسية العربية تعج بالمغامرات، وكان من السهل تعدد الولاءات ، اختار أن يكون الخط السياسي للحزب هو النضال الديمقراطي من داخل المؤسسات ، مبرزا بأنه أول حزب اعتبر أن الديمقراطية ليست هي الانتخابات فقط ، لذلك كنا من السباقين الى الحديث عن الديمقراطية المحلية ، وديمقراطية القرب ، وتمكين الشعب من المشاركة في بيئة تمكنه من قضاء جميع أغراضه. لكن النظام الإداري في المغرب آنذاك كان شديد التمركز، فكان هناك إلحاح من جلالة الملك في عدد من الخطب على التعجيل بإخراج ميثاق اللاتمركز الإداري والذي بحث تقرير الإدارات في الصلاحيات التي يمكن نقلها إلى الجهات، ويؤشر لتحول جذري في نموذج الإدارة ، وهذا الورش محسوب على الاتحاد ، كما كان محسوبا علينا الميثاق الوطني لإعداد التراب الوطني إبان حكومة التناوب وأصبح الآن يتداول في اللغة السياسية بمصطلح العدالة الاجتماعية والمجالية.
إن الدينامية التي عرفها الحزب منذ المؤتمر الوطني التاسع، وما تلاه من تجديد للآلة التنظيمية على الصعيد الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي، وما واكب ذلك من تجديد لبنيات منظمتي النساء الاتحاديات والشبيبة الاتحادية، وتفعيل كل القطاعات وإعادة بنائها، وتصاعد دور الفريقين الاشتراكيين بمجلسي البرلمان، وتطوير أداتنا النقابية، دليل على أن ذلك لم يتحقق إلا بوفائنا لتراث شهدائنا.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد خرج من دائرة النمطية التي كادت أن تحول الحزب لجهاز متآكل، إلى حزب دينامي تنظيميا، ومتقدم سياسيا.
لقد كان تصورنا واضحا بخصوص الشق الوطني المتعلق باستكمال وحدتنا الترابية والوطنية، حيث أصبح ذلك من أولويات اهتمامنا، متماسكين فيها ومؤيدين لكل المبادرات الملكية بهذا الخصوص، وبنفس الإرادة والعزيمة كنا في طليعة المدافعين عن الإصلاحات الدستورية والسياسية، التي كان لتوافق الملك والحركة الوطنية الديمقراطية حولها الفضل في الدفع بالمسار الحقوقي والديمقراطي إلى ما تعيشه بلادنا حاليا.
إن الوفاء بالنسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليس مجرد مناسبة الرجوع للتاريخ، بل أيضا وأساسا فرصة للدفع ببلادنا إلى المزيد من التنمية والتقدم، ولن يكون ذلك بعيد المبتغى ما دام ولاؤنا لثوابت بلادنا صلب وراسخ.
إن الوفاء يمثل بالنسبة لحزبنا أيضا القدرة على تحويل مبادئنا وبرامجنا إلى سياسات عمومية قابلة للتطبيق، ومندرجة في إطار الأوراش الملكية الكبرى التي تهيكل اقتصادنا الوطني. وما مساهماتنا في كل الأوراش الملكية الكبرى، إلا أحد مظاهر انخراطنا في بناء الدولة الاجتماعية التي وضع معالمها جلالة الملك محمد السادس.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 08/01/2024