ويقف المغرب بشموخ في منعطفات التاريخ الكبرى

عبد السلام المساوي

يوم الاثنين الماضي كانت تبوريشة مغربية أصيلة وأصلية، ذكرت كل واحد منا وكل واحدة بشيء ما داخله يقول له إنه مغربي ويقول لها إنها مغربية…
ويقف المغرب بشموخ في منعطفات التاريخ الكبرى، قادرا مرة بعد المرة، وكل مرة، وهذه المرة أيضا على كتابة أحرف الذهب فيها أنقى وأفضل، وأكثر لمعانا .
في الرباط، تلك الأمسية الخاصة من نوعها من شهر أكتوبر ( الاثنين 28 أكتوبر 2024 ) المتأرجح بين دفء يقاوم الرحيل، وبين برودة تريد إعلان قدوم فصل الشتاء، كانت الناس على جنبات الطريق منذ ساعات الظهر الأولى .
الشعب كان هنا: لرؤية ملكه أولا، والتعبير لجلالته كالعادة عن الحب الصادق غير المنافق، الذي يخرج من قلب الناس ويصل قلب عاهل البلاد مباشرة، ثم للترحيب بضيف المغرب الكبير، السيد إيمانويل ماكرون، وقولها لها مباشرة لكي تصله ويعرف حقيقتها : هنا لا ننسى أصدقاءنا مهما كان ، وحتى عندما يجمعنا معهم اختلاف عابر، نصبر صبرنا المغربي الشهير، وننتظر فقط أن يفهموا أن المغرب بلد لا يخاصمه الناس، ولا يختلفون معه .
المغرب بلد بقلب صاف، وبنية صادقة هي محرك كل الأشياء لدينا من كبيرنا الذي نحب، وندعو له بالحفظ والنصرة يوميا كل المرات، حتى أبعد مواطن مغربي في أبعد مدشر أو قصر أو دوار أو فدان في هذا البلد الشاسع والعظيم .
في الرباط ذلك الاثنين، في تلك الأمسية المتأرجحة بين دفء المشاعر وبرودة الهواء القادم من الأطلسي المعانق للرقراق، عانق المسرح الكبير وبرج محمد السادس، والطرق الحديثة التي بنيت في السنوات القليلة الأخيرة، بكل اطمئنان وحب ضريح حسان وملتقى العدوتين، وبقية مآثر التاريخ الكبير المكتوب هنا منذ آلاف السنين .
في الجو يومها، كان هناك شبه عهد تكتبه الدنيا مع نفسها أن بلدا بهذه العظمة، وهذه العراقة، وبكل هذا الحب الصادق بين الملك وشعبه، هو بلد لن يخيب أبدا .
قد تكون استعانة الملك بعكاز طبي الحدث الأبرز، أمسية الاثنين 28 أكتوبر، بالنسبة إلى ملايين المغاربة رغم الأهمية القصوى التي تكتسيها زيارة الرئيس الفرنسي في هذه المرحلة، على وجه التحديد، وعكستها مراسم الاستقبال الخاص والأسطوري والتاريخي، الذي لا نعتقد أن زعيم دولة حظي به في السنوات الأخيرة .
وبدا ايمانويل ماكرون وعقيلته منبهرين بأجواء التنظيم والألوان والتراث الأصيل والكرم المغربي، وبرونق وبهاء عاصمة للأنوار والثقافة والخضرة، هي الرباط ، التي ارتدت أجمل حللها، وخرج سكانها، في صفوف طويلة، لإلقاء التحية على الموكب الرسمي، وهم يؤكدون أن ما يجمع البلدين، على الدوام، أكثر مما يفرقهما .
آلاف المواطنين حجوا من كل فج عميق للاطمئنان، أولا، على صحة ملكهم، والترحيب، ثانيا، بضيف كبير، تأخر قدومه كثيرا، لكنه وصل أخيرا. وربما وصل في الوقت المناسب تماما .
نقولها بالصوت المغربي الواحد …لنا نحن هذا الوطن الواحد والوحيد، وهاته البلاد التي ولدتنا وصنعتنا وصنعت كل ملمح من ملامحنا، والتي تجري فيها دماء أجدادنا وآبائنا وأمهاتنا ، والتي تجري دماؤها في مسامنا وفي العروق .
نفخر بهذا الأمر أيما افتخار ، ونكتفي أننا لا ندين بالولاء إلا للمغرب. وهذه لوحدها تكفينا، اليوم، وغدا في باقي الأيام، إلى أن تنتهي كل الأيام…
لا بد من الانطلاق من كون الأمر يتعلق بوطن، والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ .
منذ قديم القديم نقولها : هذا البلد سيعبر إلى الأمان في كل الميادين بالصادقين من محبيه وأبنائه الأصليين والأصيلين …
لا نستطيع ان نعدكم بأن المغرب سيتوقف عن تقديم الدروس المجانية وعن إطلاق الصفعات الحضارية نحو أولئك الذين يتخيلون كل مرة واهمين أنهم أكبر من هذا البلد الأمين ومن هذا الشعب الأمين …
لتطمئن الحملان الصامتة، سيزداد صمتها مع تطور الأحداث كلها، وسيرتفع صوت البلد وناسه فقط في كل الأرجاء بالدعاء بالسلامة لهذا البلد وأهله، فذلك ما يشغل البال ( بال الكل قمة وقاعدة ) في نهاية المطاف.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 01/11/2024