10 ملاحظات على قرار البرلمان الأوروبي
نوفل البعمري
أصدر البرلمان الأوروبي، يوم الخميس 10 يونيو، قراره المتعلق بما أسماه « انتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل واستخدام السلطات المغربية للقاصرين في أزمة الهجرة في سبتة»، وهو القرار الذي أرادت من خلاله إسبانيا إدانة المغرب وتحويل الأزمة من ثنائية بينها وبين المغرب، إلى أزمة أوروبية-مغربية، لكنها فشلت في مسعاها بحيث بدل أن يدين البرلمان الأوروبي المغرب أتاح له الفرصة لإعادة طرح كل القضايا الإشكالية مع أوروبا عموما وإسبانيا خصوصا، وإعادة التموقع الاستراتيجي القوي في اتجاه الشمال.
قرار البرلمان الأوروبي يثير ملاحظات جوهرية، يمكن إبرازها في:
1- القرار صدر تحت عنوان « انتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل»، وهي الاتفاقية التي يعد المغرب جزءا منها ومن آلياتها الأممية، بالعودة للعنوان فهي تعطي انطباعا وكأن البرلمان الأوروبي قد قام بتقييم تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل من طرف المغرب، وهو الأمر الذي لم يحصل، كما أنه تصرف وكأن له سلطة فوق سلطة الأمم المتحدة على اعتبار أن الاتفاقية هي أممية وليست أوروبية، وتدخل ضمن اختصاص اللجنة الأممية لحقوق الطفل التي لها الاختصاص الحصري لتقييم مدى إعمال الدول المصادقة على الاتفاقية لمضامينها، وهي وحدها من تصدر ما تسميه «بالتعليق»، وتقدم تقاريرها حول تنفيذ الاتفاقية، بالعودة لاختصاص البرلمان الأوروبي فهذا النوع من التقييم المتعلق بمدى تنفيذ اتفاقية أممية معينة لا يدخل ضمن الآلية الأوروبية عموما ولا الآليات البرلمانية الأوروبية.
لذلك فبالعودة للنقاش، الذي طرحه البرلمان الأوروبي ومضمون قراره، فهو يعد تطاولا خطيرا على اختصاص حصري للأمم المتحدة،عمد إلى تنصيب نفسه جهازا ومؤسسة فوق المؤسسة الأممية دون أن يكون له أي تفويض لممارسة هذا التقييم، مما يكون معه هذا القرار قد صدر من جهة غير ذات موضوع وغير مختصة للنَّظر في مواضيع كهذه حتى يقوم برلمانيوها بالتصويت على قرار يهم تطبيق اتفاقية أممية من طرف دولة ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي.
2- القرار صدر بناء على ما تقدم به الجانب الإسباني من معطيات مزيفة، غير دقيقة، وقد كان على البرلمان الأوروبي، إن كان جديا في إصدار قرار ذي طبيعة محايدة، ويهدف حقيقة لحماية حقوق الطفل عموما والقاصرين خصوصا، أن يتوجه إلى المؤسسات الوطنية المغربية خاصة منها مجلس النواب لاستجماع كافة المعطيات ولتقديم مختلف وجهات النظر لبناء موقف حقيقي من قضية ذات طابع نزاع سياسي ثنائي، لكن البرلمان الأوروبي تصرف بنزعة «استعمارية» «فوقية» أراد من خلال قراره التعامل بمنطق الأستاذ والتلميذ، وهو المنطق الذي لطالما رفضه المغرب سواء في أزمات ثنائية مع بعض الدول الأوروبية أو مع الاتحاد الأوروبي نفسه، ثم حاليا، فالتعامل الفوقي من طرف أوروبا قد أصبح مرفوضا، ولم يعد بالإمكان أن يجتمع نواب أوروبيون لم يستطيعوا تقييم حقيقة الوضع في إسبانيا ولم يستطيعوا معالجة الأسباب الحقيقية.
3- البرلمان الأوروبي يتواجد فيه 705 أعضاء وعضوات يشكلون خمسة تكتلات أوروبية كبرى تتوزع ما بين اليسار الراديكالي واليسار الاشتراكي الديموقراطي واليمين الليبرالي ثم اليمين المتطرف، وقد كانت إسبانيا تهدف من خلال هذا القرار إظهار إجماع أوروبي حول مساندتها في مواجهة المغرب، لكن بالعودة لعدد الذين سجلوا الحضور فهو لم يتعد ثلثي الأعضاء، كما أن القرار لم يصوت عليه سوى 397، مقابل 196 ضد و85 ممتنعا عن التصويت أضف لهم أكثر من 27عضوا ممن لم يحضروا وقاطعوا الجلسة، مما يجعل القرار غير ذي قيمة برلمانية ولم يستطع واضعوه إظهار الإجماع الكلي حوله وحول إسبانيا، هو أيضا مجرد تعبير عن موقف ورأي الفرق البرلمانية التي عرضته للتصويت بحيث لم تستطع إدانة المغرب أو تأليب الرأي العام الأوروبي ضده، فأقصى ما تم القيام به هو التعبير عن «الرفض» و «الاستياء» ولم يستطع أن يذهب في اتجاه إدانة ولا شجب المغرب، مما يعد انتكاسة سياسية لإسبانيا ولكل الفرق التي تحمست للقرار.
4- القرار صدر من طرف مؤسسة برلمانية، وهي مؤسسة ليست لها و لا لقراراتها أية قوة إلزامية ولا قانونية داخل المؤسسات الأوروبية، فنحن أمام قرار ولد ميتا حتى قبل صدوره، لأن البرلمان الأوروبي ليست له أية سلطة مادية على باقي المؤسسات الأوروبية، ولا يمكن أن تكون له الوصاية على دولة غير أوروبية، خارج الفضاء الأوروبي، الذي تحول لشبح سياسي ولم يعد بالقوة التي كان عليها خاصة بعد خروج بريطانيا منه.
وعليه فقرار البرلمان الأوروبي لا حجية له، ولا قيمة له ولا لمختلف المضامين التي تضمنها على ضعفها، بل حتى لو كان قد أدان المغرب بشكل صريح فهو بالنسبة إلينا لن يكون له أي أثر واقعي غير تأزيم الوضع السياسي مع باقي أجهزة الاتحاد الأوروبي، وهو ما فشلت فيه إسبانيا والفرق البرلمانية التي تبنت موقفها.
5 – القرار يتناقض مع المواقف التي عبرت عنها مختلف أجهزة الاتحاد الأوروبي التنفيذية خاصة منها المفوضية الأوروبية التي سبق لها أن أشادت بالتعاون المغربي مع الاتحاد الأوروبي وانخراطه الجدي في محاربة الهجرة غير النظامية، ومحاربة الإرهاب والأمن والتنمية، مما يجعل قرار البرلمان الأوروبي معزولا عن محيطه الأوروبي، ولم يستطع دفع المفوضية الأوروبية إلى تغيير موقفها من المغرب أوالتفكير في إعادة تقييم علاقتها مع المغرب، وعلى عكس ما انتظرت منه إسبانيا فقد شكلت هذه الأزمة مناسبة لتثمين التعاون الأوروبي-المغربي من طرف المفوضية ومختلف المصالح الخارجية للاتحاد الأوروبي، التي عبر مسؤولوها عن مواقف إيجابية ومتوازنة، ولم تكن منحازة لإسبانيا، والتي تعي حجم الدور الكبير الذي يقوم به المغرب وهو ما أهله ليكون في وضع الشريك الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي.
6 – القرار في باقي مضامينه، وإذا حذفنا منه الفقرات التي تتعلق بالحديث عن وضعية القاصرين و»الرفض» الذي تم التعبير عنه في كنهه، شكل هو نفسه نوعا من الانتكاسة السياسية لإسبانيا، فبالإضافة لما قلناه سابقا من كونه لم يدن المغرب، فهو في فقرات منه أشاد بالقرار الملكي بعودة القاصرين غير النظاميين المتواجدين بأوروبا، وإعادة استقبالهم، وأشاد بالتحركات المغربية في هذا المجال، مما يجعله قرارا، حتى وواضعوه يحاولون البحث عن حشر المغرب في الزاوية، يعكس بالمقابل حقيقة الوضع الإسباني في أوروبا، وضع العزلة السياسية التي تعيشها داخل أوروبا، وداخل أجهزتها، وأنها رغم كل الحشد والضغط الذي مارسته لم تستطع أن تستصدر قرارا بمواقف منحازة كلية لها، بل من خلال تركيبة النص يتبين أنه تم تعديله لعدة مرات حتى يحصل على الحد الأدنى من هذا الإجماع الأوروبي حوله.
7 – ردود الفعل الدولية التي تلت القرار كلها اتجهت نحو دعم المغرب ودعم موقفه السياسي تجاه هذه الأزمة من حيث طبيعتها الثنائية التي تجمعه مع إسبانيا، فالجامعة العربية في بيان لها أكدت على دعم المغرب ورفضها للقرار، البرلمان العربي أعلن عن عقد جلسة برلمانية مستعجلة يوم 26 يونيو للرد على هذا القرار، برلمانات عربية صديقة أعلنت في بيانات لها عن شجب القرار من بينها البرلمان البحريني بغرفتيه، منظمة التعاون الإسلامي التي تعد أقوى تكتل للدول الإسلامية اصطفت مع المغرب ورفضت رفضا قاطعا ما جاء في القرار الأوروبي، اليونيسيف نفسها أعلنت عن ترحيبها بالمجهودات التي تبذلها المملكة المغربية في مجال القاصرين والأطفال، وأشادت بالقرار الملكي الذي طالب أوروبا بإعادة القاصرين المغاربة غير النظاميين المتواجدين بأوروبا للمغرب، رئيس البرلمان الإفريقي المنتهية ولايته أصدر بيانا رسميا يدعم المغرب، دون نسيان بيانات وتصريحات شخصية لبرلمانيين أروبيين رافضة للقرار والزج بهم في صراع ثنائي بين المغرب وإسبانيا… كل هذه المواقف وغيرها مثل تلك التي ستصدر مستقبلا دعما للمغرب ومن مختلف التكتلات الإقليمية القوية، تظهر موقعه الاستراتيجي في الخريطة الدبلوماسية الدولية وحجم الدعم المطلق له في هذه الأزمة التي افتعلتها إسبانيا.
8 – القرار لم يلغ بالنسبة للمغرب الطابع الثنائي لهذه الأزمة ولن يستطيع التغطية على الخلفيات السياسية التي أدت إلى أن تطفو على السطح بين المغرب وإسبانيا، فهي أزمة سياسية نتجت بسبب استقبال إسبانيا للمجرم إبراهيم غالي بجواز وهوية مزورتين وتهريبه من القضاء الإسباني والضغط عليه لعدم محاكمته، هذه حقيقة الأزمة وهنا يجب أن يبدأ النقاش، من هذا المستوى الذي يتعلق بسلوك سياسي وديبلوماسي عدائي وعدواني أقدمت عليه الحكومة الإسبانية التي حاولت التستر على هذا الاستقبال وأنكرته بداية لتعود لتتراجع وتعلن عن استقباله «لأسباب إنسانية» للتغطية على الخلفيات السياسية، التي تعكس ازدواجية الموقف الإسباني مع المغرب ومن وحدته الترابية.
9 – إسبانيا التي أرادت أن تستغل البرلمان الأوروبي لإدانة المغرب على خلفية محاولة استغلال القاصرين غير النظاميين، هي نفسها كانت موضوع إدانة صريحة أممية سنة 2018 عند مناقشة التقرير الدوري بحيث سجلت لجنة حقوق الطفل عدة ملاحظات جوهرية تهم إسبانيا، معددة ذلك في وجود ممارسات ممنهجة تمييزية ضد الأطفال القاصرين على أساس لونهم ووضعيتهم الاجتماعية وعرقهم، وهي ممارسات أدانتها اللجنة الأممية، كما ذهبت إلى شجب المعاملة المهينة التي يتلقاها القاصرون غير النظاميين المتواجدين في إسبانيا من طرف الحكومة الإسبانية التي تضعهم في مراكز إيواء لا تتوفر على أية شروط للحياة العادية، ويتعرضون للتعنيف داخلها، ولمعاملة حاطة من كرامتهم، كما أنه سنة 2019 أصدرت الجمعية الأندلسية للدفاع عن حقوق الإنسان تقريرا أسود عن وضعية الطفولة والقاصرين خاصة منهم غير النظاميين، إذ سجلت قيام الحكومة الإسبانية بإرجاع الأطفال القاصرين لموطنهم دون احترام الإجراءات القانونية المنصوص عليها دوليا، كما أن عملية تحديد سنهم تتم بطريقة حاطة من كرامتهم، أضف لذلك حالات اختفاء لقاصرين مما طرح فرضية الاتجار في البشر…
دولة بهذا السجل الأسود لا يحق لها أن ترفع لواء حماية الطفولة ولا القاصرين غير النظاميين أو تتحدث عنهم، وقد كان على البرلمان الأوروبي بدل أن يختار الاصطفاف ولو بشكل محتشم مع إسبانيا، توجيه استفسار عاجل للحكومة الإسبانية حول سياستها الممنهجة المتبعة والموجهة ضد الطفولة والقاصرين غير النظاميين بشكل خاص.
10 – المغرب ظل حريصا على التأكيد، سواء قبل صدور القرار أو بعده، أن الشراكة التي تجمعه مع الاتحاد الأوروبي هي شراكة بناءة، ولا يمكن أن يقبل بدفعه أو جره نحو المواجهة السياسية مع الاتحاد الأوروبي خاصة منه المفوضية، وهو نفس موقف المفوضية الأوروبية، ويكفي العودة هنا لتصريح هيلينا دالي، المفوضية الأوروبية بالبرلمان الأوروبي حول القاصرين المغاربة غير المرفوقين التي أكدت فيه أن «الاتحاد الأوروبي يستفيد من شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع المغرب» مرحبة في ذات التصريح بقرار جلالة الملك استقبال القاصرين غير النظاميين المتواجدين بأوروبا، واضعة قضية الهجرة في صلبها وقالبها السياسي من خلال تأكيدها «على أهمية الحوار مع المغرب في إطار الاحترام والثقة المتبادلة وفق رؤية للشراكة الشاملة بين إفريقيا وأوروبا»، هذا التصريح هو رد واضح على إسبانيا وعلى القرار نفسه بحيث يؤكد على كون الاتحاد الأوروبي لن ينجر وراء إسبانيا ووراء الحكومة الإسبانية التي تريد إنقاذ نفسها من العقاب الانتخابي الذي ينتظرها من طرف الإسبانيين، ويؤكد هذا التصريح اصطفاف الاتحاد الأوروبي وأجهزته مع المغرب وأن هناك تفهما للموقف السياسي الصادر من طرف المغرب تجاه إسبانيا وتجاه خيانتها السياسية للمغرب.
الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 14/06/2021