2025 سنة الأبواب المفتوحة
محمد السوعلي (*)
في سياق النقاشات الراهنة حول الأدوار السياسية للأحزاب في المغرب، تبرز بعض الآراء التي تزعم أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعاني من تسيير أحادي ويتجه نحو مسار مسدود. هذه التصورات، التي غالباً ما تصدر عن أطراف خارج التنظيم الحزبي، تستند في كثير من الأحيان إلى انطباعات تفتقر إلى معرفة دقيقة بالعمل الداخلي للحزب وآلياته.
يثير هذا النقاش إشكالية جوهرية حول مدى صحة هذه الانتقادات وما إذا كانت تعكس واقعاً ملموساً أم أنها مجرد أحكام سطحية لا تعكس جوهر العمل الحزبي. كيف يمكن الادعاء بوجود هيمنة فردية على قرارات الاتحاد الاشتراكي في حين أنه يعتمد على مؤسسات تنظيمية وأجهزة تقريرية تستند إلى آليات واضحة للحوار الجماعي واتخاذ القرار بما يخدم المصلحة الوطنية والمجتمعية؟
إلى جانب ذلك، تبرز تساؤلات حول قدرة الأطراف الخارجية على تقييم العمل الحزبي دون الاطلاع على مساطره الداخلية. هل هذه الانتقادات تعبر عن فهم عميق للعمل التنظيمي أم أنها مجرد انطباعات مسبقة؟ كما تطرح أسئلة حول طبيعة النقاشات المثارة بشأن الحزب، وما إذا كانت تسعى لمعالجة القضايا الفكرية والسياسية الكبرى التي يعالجها، أم أنها تركز على الأشخاص بطريقة سطحية لا تسهم في بناء بدائل سياسية حقيقية.
القرارات الحزبية ورؤية مؤسساتية
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يعتمد في صياغة مواقفه السياسية واتخاذ قراراته على مؤسساته وهياكله التنظيمية، التي تقوم على الشفافية والعمل الجماعي. هذه المؤسسات، من خلال اجتماعات دورية منتظمة، تدرس القضايا الوطنية والمحلية وتعمل على تحديد المواقف استناداً إلى نقاشات شاملة وموضوعية تضع مصلحة الوطن والمواطن في مقدمة الأولويات.
الاتحاد الاشتراكي لا يُدار وفق توجهات فردية أو نزعات شخصية، بل يعتمد على هيكل تنظيمي متماسك يكرس آليات جماعية في اتخاذ القرار. البلاغات الصادرة عن اجتماعات هيئات الحزب تُبرز بوضوح القضايا التي يتم مناقشتها والقرارات المتخذة، مما يثبت الطابع الديمقراطي للعمل الحزبي وينفي أي ادعاءات حول التسيير الأحادي.
الأصوات التي تروج لفكرة الهيمنة الفردية غالباً ما تفتقر إلى الاطلاع على هذه الديناميكيات، أو ربما تتجاهلها. الحزب قائم على الانفتاح على الاتحاديات والاتحاديين، الذين يمثلون جوهر قوته، وهم وحدهم القادرون على تقييم أدائه وتحديد توجهاته.
الاتحاد الاشتراكي، من خلال مؤسساته وهياكله، يسعى إلى تقديم سياسات تخدم المواطن المغربي وتعزز مكانة الوطن. الحزب يضع العدالة الاجتماعية والكرامة وحقوق المواطنين في الصحة والتعليم والشغل في صلب أهدافه. كما يعمل بجد على توحيد قوى اليسار التي تعاني من التشتت لبناء مشروع مجتمعي شامل يستجيب لتطلعات الشعب. النقاشات داخل الحزب لا تقتصر على الأفراد والقيادات، بل تنصب على قضايا استراتيجية كبرى تتعلق بهموم المجتمع ومستقبله.
نحو رؤية متجددة لتوحيد اليسار
يدرك الاتحاد الاشتراكي أن أحد أهم التحديات التي تواجه الأحزاب ذات التوجه اليساري هو الانقسام وضعف التنسيق. لذلك، يعمل الحزب على بناء جسور تواصل مع مختلف مكونات اليسار لتعزيز الحوار والتوافق بهدف مواجهة التحديات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها البلاد.
الحزب يركز حالياً على صياغة اقتراحات تشكل أرضية لمشروع مجتمعي مندمج يستجيب لتطلعات المواطنين. ويندرج انفتاحه على مختلف مكونات المجتمع من مثقفين ومفكرين وهيئات المجتمع المدني ضمن إطار توسيع دائرة المشاورات من أجل بناء بدائل تسهم في تعزيز العدالة الاجتماعية والكرامة. سنة 2025 تمثل محطة هامة في تاريخ الحزب، حيث تم الإعلان عن أنها سنة الانفتاح والإنصات لقضايا المواطنين. هذه الرؤية تعكس ما جاء في مخرجات اجتماع مؤسسة كتاب الجهات وكتاب الأقاليم، التي شددت على ضرورة تطوير الذات التنظيمية للحزب واعتبرت أن الحزب الذي لا ينمي نفسه محكوم عليه بالانقراض. لذلك، يضع الاتحاد الاشتراكي هذه السنة كفرصة لتجديد آلياته التنظيمية وتعميق تواصله مع المجتمع. إضافة إلى ذلك، يعمل الحزب على تعزيز انخراط الشباب والنساء في الحياة السياسية، حيث يعتبرهم قوة محركة للتغيير الاجتماعي والسياسي. من خلال برامج تكوينية ومبادرات مبتكرة، يتيح الحزب فرصاً أكبر للقيادات الشابة لتحمل المسؤولية، مما يعزز دوره كفاعل مجدد ومتفاعل مع تطلعات الأجيال الجديدة.
الاتحاد الاشتراكي يدرك أيضاً أن التغيرات المناخية والتحول الرقمي يفرضان تحديات جديدة تتطلب استجابة سريعة وشاملة. لذلك، يضع الحزب قضايا البيئة والتكنولوجيا ضمن أولوياته، مساهماً في النقاشات الوطنية حول الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة، مما يعزز مكانته كمساهم في بناء مستقبل أكثر استدامة.
أهداف الحزب والتكيف مع التحديات
الاتحاد الاشتراكي يعترف بأن ما ساهم في انقسام اليسار هو ما يمكن وصفه بالطهور الإيديولوجي، الذي دفع بعض الأطراف إلى رفض التنازلات وإضعاف فرص الوصول إلى توافقات. هذا التشرذم استثمرته قوى سياسية أخرى لتحسين تموقعها، مما يتطلب معالجة الأسباب التي أدت إلى هذا الانقسام والعمل على تجميع قوى اليسار في إطار حوار مفتوح لتطوير رؤية موحدة.
كما يطرح الحزب تساؤلات جوهرية حول كيفية الفوز في الانتخابات وتشكيل حكومة متجانسة لا تحتاج إلى تحالفات غير طبيعية، مع العمل على تحديث أساليب العمل الحزبي التقليدية لتتناسب مع تطور القيم والانتظارات. هذه الأشكال الجديدة للالتزام قد تسمح بالتعامل مع قضايا مستجدة مثل آثار التغيرات المناخية والتحديات الاقتصادية، مما يسهم في تعزيز قواعد أحزاب اليسار وتوسيع تأثيرها.
ختاما، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يتجاوز كونه حزباً سياسياً ليصبح فضاءً للحوار والتفاعل، يرتكز على مؤسساته وأجهزته التقريرية لاتخاذ القرارات. من خلال رؤيته المتجددة، يسعى الحزب إلى توحيد قوى اليسار وبناء مشروع سياسي شامل يخدم الصالح العام.
يواصل الاتحاد الاشتراكي العمل على تحديث أساليبه التنظيمية وتعزيز مكانته كفاعل رئيسي في المشهد السياسي الوطني. بهذه الدينامية، يثبت الحزب قدرته على مواجهة التحديات وتقديم بدائل سياسية تستند إلى الواقع وتستشرف المستقبل، مع تركيزه على المصلحة العامة. من خلال تعزيز الحوار مع المواطنين وتنظيم النقاشات المفتوحة، يعمل الحزب على بلورة رؤية سياسية متكاملة، تستجيب لتطلعات الشعب المغربي وتعزز العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. هذه الجهود تجعل الاتحاد الاشتراكي شريكاً قوياً في بناء مغرب المستقبل.
(*) عضو اللجنة الوطنية للتحكيم والأخلاقيات بالحزب
الكاتب : محمد السوعلي (*) - بتاريخ : 10/01/2025