«خارج إسار المنهج: إضاءات في الثقافة والنقد» جديد هشام العلوي

مصطفى النحال

صدر عن دار النشر “أبو رقراق” بالرباط كتابٌ نقديّ هامّ يحمل توقيع الكاتب الباحث والناقد هشام العلوي بعنوان “خارج إسار المنهج: إضاءات في الثقافة والنقد”، صمّم غلافه الشاعر والفنان عزيز أزغاي. والكتابُ تتجاور فيه كما تتحاور إضمامة غنيّة من المقاربات والقراءات والإضاءات التي تنتمي إلى أنماط مختلفة من الخطاب النقدي، الأكاديمي والتداولي، إذ تتناول بالدراسة والتحليل قضايا ومتونا وتجارب تضع الإبداع أوّلًا في صلب السؤال الثقافي، وترهن النقد بنبض المجتمع، وهو يرتق أنسجة في القرابة الغنيّة الواصلة بين النصوص وأنساغها.

ما ينتظم محتويات هذا الكتاب، كذلك، هو كونها ثمرة تفاعل مع دعوات للكتابة ضمن مشروع مؤلف جماعي، أو المشاركة في ندوة علمية، أو المساهمة في لقاء دراسي بمناسبة صدور كتاب قد يصبح ذريعة إلى الاحتفاء بصاحبه. وبالتالي، تصطبغ المعرفة أحيانا بمقتضيات اللحظة وآداب العرفان وبوْح الطوّيّة والوجدان.
ولعلّه، كما يقول الكاتب “تعبير عن توجّه في المقاربة النقدية راسخ بالنسبة إليّ، تعود جنينيّته إلى مرحلة البحث الجامعي حيث كانت تعلو الصرامة في اختبار النظرية، والموضوعية في إعمال المنهج وتطبيق نتائج العلوم – الإنسانية- في تقصي قيم الفعل الإبداعي وأسراره”.
وبعيدًا عن الشكلانيات والشّعريات الحصرية والجماليات الماركسية، بتفريعاتها وامتداداتها المطّردة، وجد هشام العلوي نفسه منذ البداية يميل إلى التصورات والمناهج التي تنتصر للنصّ بما يجعله مختلفا وخلاقا، وتفسح للباحث هامشا للذات والتذاوُت، دون أن تسيّجه هذه التصورات والمناهج داخل أطرها الفكرية والنظرية وأهوائها الاجتماعية والحضارية. وفي الآن ذاته انجذب، من جهة، إلى الظاهراتية ( باشلار) والموضوعاتية (ج.ب. ريشار) وإلى نقاد الوعي( ج. بولي /ج. روسي/ م. ريمون)، ونظريات التأويل والتلقي (الألمانية)، ومن جهة أخرى، إلى الدراسات الثقافية (في الفضاء الأنكلوسكسوني)، لا سيما حين لا يتم اختزال قيمة النص في أدبيته فحسب، أو اعتبار الأعمال الإبداعية مجرد محاكاة لنموذج متعالٍ يقدّس الأجناس والأنواع والبنيات والخطابات، بقدْر ما تستعيد تموْقعها ووظيفتها إلى جانب باقي الإنتاجات الثقافية طيّ النسق المجتمعي للقيم.
بهذا المعنى، فإنّ ممارسة النقد بوصْفه وجْهة نظر، أو مشاركة وجدانية، أو قراءة مخصبة، أو وعيًا يلفي في التعاطف والتواجد جسريْه الحميمين نحو موضوعه، سواء كان نصا إبداعيا أو ثقافيا، هي ممارسة تستعصي بالانقياد خلف “أسطورة” المنهج بحصر المعنى، أو “وهم” التخصص الجامع، ولا تتأتى بالنسبة للناقد إلا عبر التنويع في الإجراءات التحليلية النابعة من مرجعيات نظرية ومعرفية متعددة، واستحضار للخبرات المتراكمة من ذوق وحدس وذكاء، وكل ذلك في تشكيل إحاطة تكاملية، متعددة الأبعاد والتخصصات والمهارات.
ومن هذا المنظور، لا يعدو أن يكون المنهج، كما اعتمده هشام العلوي في هذا الكتاب، بمستويات متفاوتة تراعي طبيعة المتون والتجارب المدروسة، سوى منظومة من المبادئ والإجراءات والتقنيات المتجانسة التي توسّل بها لمقاربة ما استثاره من ظواهر وأسئلة وإشكالات، والتي تسعفه، كما يقول، “للاستدلال على المقدمات التي انطلقنا منها وتعليل نتائجها”.
هذا، وقد حاول في مقاربته لمختلف المتون الأدبية في الكتاب ما أمكن التخفيف من سطوة المفاهيم والمقولات المجرّدة والأسئلة الكلية، منتصرًا لجذوة النص ولذّته وجدة المعالجة وما تشي به التحققات التي تناولناها، فكرية كانت أو أدبية، من مؤشرات التفرد والإبداعية، وصيرورات دلالية وتأويلية ممكنة.
ستتوارى المعرفة بحصر المعنى، كذلك، خلف الرأي والموقف والانطباع والباروديا العفوية أحيانا، بما يقتضيه ذلك السياق الخطابي والتداولي لكتابة “العمود الصحفي”، في رصد بعض التحولات الثقافية والمجتمعية، أو في رسم “بورتريهات” لشخصيات أكاديمية وثقافية وفنية، تتخضّب بلوينات الذاكرة والنسيان، والقرب والبعد، والصداقة والوفاء، وإرجاع الفضل إلى أصحابه بوصفه قيمة خالصة لا يستقيم بحث ولا علم بدونها.

الكاتب : مصطفى النحال - بتاريخ : 07/04/2017