أغنياء فرنسا يعتبرون احتجاجات السترات الصفراء«مشروعة»

باريس يوسف لهلالي

 

تظاهر أعضاء السترات الصفراء للأسبوع الثاني عشر بباريس، وبسترات ملطخة بلون الدم وضمادات على الأعين تحت شعار «لا لعنف الشرطة»، وشهدت فرنسا أسبوعا من النقاش حول استعمال الشرطة لعدد من الأسلحة لتفريق المتظاهرين والتي خلفت إصابات خطيرة في مختلف التظاهرات التي عرفتها فرنسا، وحسم هذا النقاش بقرار مجلس الدولة وهو أعلى هيئة للقضاء الإداري، الذي سمح باستمرار الأمن في استعمال قاذفات الكرات الدفاعية ضد المتظاهرين، وطالب المشاركون بوقف استخدام هذا السلاح الخطير. وفي تظاهراتهم بمختلف المدن الفرنسية، قام المحتجون بإدانة القوة المفرطة للقوات العمومية «من اجل اسكات الاحتجاجات».
وتظاهر بمجموع التراب الفرنسي 58 ألف متظاهر حسب وزارة الداخلية وهو رقم يطعن في صحته المحتجون من السترات الصفراء، ورغم موجة البرد التي تعرفها فرنسا مند أسبوع، فإن المتظاهرين قرروا الاستمرار في حركتهم التي شملت العديد من المدن الفرنسية، التي تحولت مطالبها مما هو اجتماعي واقتصادي إلى ما هو سياسي.
اختارت صحيفة يومية الفرنسية الاهتمام بأحد الفئات الفرنسية التي كانت في قلب هذه التظاهرات، وهم الأغنياء، وذلك بسبب الهدايا الضريبة التي قدمها لم الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون والذي يتهمه السترات الصفراء «برئيس الأغنياء من خلال رفع شعارت ولافتات حول ذلك، وهناك شعارات أخرى تطالبه بوقف «الهدايا الضريبة للاغنياء، ومطالبته «بإعادة ضريبة التضامن على الثروة».
وخلال هذه التظاهرات، كشف هذا التحقيق ان الابناك كانت واحدة من أهداف المتظاهرين وكل ما يرتبط بالمجال المصرفي من أجل إدانة نظام غير عادل.
واختار جريدة «لوموند» عينة من الأغنياء الذين يبلغ دخلهم عدة ملايين يورو والذين يعتبرون من دعامات الرئيس الفرنسي رغم انتقادهم لسياسته أحيانا. وكانت أغلب انتقادات هذه الفئة حول غياب «البيداخوجية « لهذا الرئيس الذي «تنقصه التجربة»، و»الضريبة على أصحاب السيارات كانت واحدة من أكبر أخطائه، أحدهم أضاف أن «الأغنياء هم كذلك مسئولون على الوضع من خلال كل أنواع التهرب الضريبي الذين يقومون به «، وهذا ما لم يقله الرئيس في مختلف خطاباته.
وكل هؤلاء الأغنياء اعتبروا « ان السياسة الضريبية لرئيس هي في صالح الأغنياء، « ولكنها ليست فعالة كما يتم الادعاء من اجل خلق دينامية في الاقتصاد. وبالنسبة «للسترات الصفراء» هم ضحايا العولمة قبل ان يصبحوا ضحايا ايمانييل ماكرون،» يقول اغلب هؤلاء الأغنياء، ويعتبرون هذه الحركة الاحتجاجية «شرعية» ويقدمون «دعمهم الكبير لهذه الحركة «، ومطالبها وبعضهم لا يفهم العنف الذي أصاب الحركة التي كانت مطالبها مشروعة في البداية بفعل التحاق عناصر متطرفة بها.
ويتفق هؤلاء الأغنياء مع المتظاهرين في ضرورة الحد من مصاريف الدولة ومن الميزانية الكبيرة التي تخصص للإدارة. وأغلب هؤلاء المستجوبين يشيرون إلى تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والذي يشير إلى ان فرنسا من بين الدول المتقدمة التي يعتبر فيها «التضامن استثنائيا» هذه الدراسة التي صدرت في 23 من يناير الماضي والتي تشير إلى أن فرنسا تعتبر من البلدان الغنية التي تقدم خدمات اجتماعية مهمة، والتي تصرف 31 في المئة من ميزانيتها على الجانب الاجتماعي. وتضيف أن لا أحد منهم أشار إلى التقرير الذي يتحدث عن تفاقم التفاوت في الغنى داخل المجتمع.
والهدف من الإعفاءات الضريبة المتعددة التي قام بها الرئيس الفرنسي هو تشجيع الاستثمار في المقاولات ودعم سوق الشغل، لأن التخفيف من هذه الضرائب يهدف حسب الرئيس الفرنسي إلى تشجيع الاستثمار وخلق مناصب الشغل.
أحد الأغنياء المستفدين من هذه الإعفاءات التي قدمها الرئيس يقول «الأمور لا تتم بهذا الشكل»، يقصد التخفيضات الضريبة التي قدمت للأغنياء من دون مقابل وفي حالته يقول «إنه لم يقم بأي استثمار ولم يشغل أحدا بالإعفاءات التي حصل عليها»، و «ما قام به ماكرون هو تقوية قدرتي الشرائية وما حصلت عليه من تخفيضات استعملته في أسفاري مع عائلتي ومن أجل التسلية».
أحد المستثمرين المعروفين قال «إن حدف هذه الضريبة على الأغنياء هو موجه للاستثمارات الخارجية ولأن هذه الضريبة كانت تعتبر بمثابة» ضريبة ضد النجاح»، والهدف هو بعث رسالة إلى المستتمرين الأجانب.» بأن فرنسا تغيرت».
وحتى الآن، فإن هذه الإعفاءات حسب عدد من المستجوبين لم تساهم في عودة كل النازحين بسبب الضريبة، ربما فقط ساهمت في عدم هروب عدد جديد منهم. كما أن هناك من هؤلاء من ينتقد الهدايا التي قدمت للمقاولات بدون مقابل، وأغلبهم حيا قرار ماكرون بتخفيض الضرائب على المقاولات من 33.3 في المئة الى 25 في المئة في أفق 2022.
بعضهم يقول إن الدولة لا تراقب مال الأموال المعفية وبعضهم يقترح أن التخفيضات يجب أن تكون مرتبطة بما أقوم به من قرارات، هل أقوم وبالاستثمار و هل أشغل؟ هل أعطي تعويضات تحفيزية للعمال؟
طبعا هذا البحث الذي قامت به هذه اليومية الفرنسية بين عدد من أغنياء هذا البلد والذي قدمنا جزء بسيط منه ، يبين أن جزءا كبيرا من أغنياء هذا البلد يتفهمون هذه الاحتجاجات ويتفهمون ازدياد الفوارق الاجتماعية وتضرر عدد كبير من سكان هذا البلد من العولمة ومن السياسة الغير العادلة أحيانا لحكومة بلدهم، وانتقادهم لسياسة ماكرون تجاه الاغنياء والتي هي في صالحهم هو لمعرفتهم بهذه الأوساط، فعدد كبير من الذين حصلوا على امتيازات ضريبة لا يقومون بأي استثمار سواء في مقاولاتهم أو مقاولات أخرى، ويصرفون ما حصلوا عليه من هدايا ضريبة في التسلية لغياب مراقبة الدولة حسب هؤلاء الأغنياء.
يبدو ان الرئيس الفرنسي في ورطة حقيقية، فحتى أغنياء بلده يعتبرون سياسته غير عادلة وغير فعالة وتعطي النتائج المنتظرة.

الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 04/02/2019