بالصدى .. أكباد «مشتعلة»

وحيد مبارك

وضعت مصالح وزارة الصحة على مرّ سنوات مخططات من أجل القضاء النهائي على التهاب الكبد الفيروسي، وقامت بتسقيف الأجل الزمني لتحقيق هذه الغاية، مرة في أفق 2020، ثم لاحقا في 2030، مرورا بالخطة الوطنية لمكافحة التهاب الكبد الفيروسي 2022 ـ 2026. مخططات وبرامج لم تحل دون استمرار حضور المرض بأنواعه المختلفة خاصة منها الفتاكة، إذ بحسب تقديرات الوزارة الوصية على القطاع فإن معدل انتشار الصنف الأخطر منه وهو التهاب الكبد الفيروسي من نوع س يقدّر بحوالي 0.5 في المئة، في حين أن عدد المصابين بالمرض المزمن يصل إلى حوالي 125 ألف مريض ومريضة، مع ما يرتبط بهذا الوضع من مضاعفات صحية وخيمة ومتعددة، علما بأن هناك معطيات رقمية أخرى تتحدث عن عدد أكبر من المصابين.
ويعتبر مسار التكفل بالمرض وعلاجه باهظا ومكلفا بشكل كبير، مما جعل من سنة 2015 تشكّل منعطفا مهما وحاسما، بعد أن تم التوصل بجهود وطنية كبيرة وليست بالهيّنة إلى تصنيع دواء جنيس بثمن، والحصول على رخصة تسويقه محليا بفارق يوم واحد كان له ما بعده، والذي يبقى رغم ارتفاعه أقلّ بكثير عن الدواء الأمريكي الأصلي، الذي يقدر بحوالي 80 مليون سنتيم، مما يجعل المريض الواحد في ظل الوضع القديم، إن هو أراد متابعة العلاج الذي قد تتراوح مدته ما بين ثلاثة وستة أشهر حسب الحالة الصحية لكل مريض، مطالبا بالتوفر على مبلغ يقدر بما بين 240 و 480 مليون سنتيم، في حين أن الدواء الجنيس محليا والمشكل من علبتين على شكل «باك» تعادلان شهرا من العلاج يقدّر ثمنه بحوالي 4500 درهم، وهو ما يبين الفرق الشاسع جدا بين المنتوجين.
التهاب الكبد الفيروسي من نوع س، الذي تبين عدد من المعطيات الوبائية المرتبطة بالمرض أنه يؤدي إلى إصابة حوالي 16 شخصا جديدا كل يوم، ويتسبب في وفاة حوالي خمسة آلاف مريض ومريضة كل سنة، والذي يحتاج إلى تعبئة جماعية قوية من أجل مواجهته، باعتماد الوقاية أولا ثم تسهيل الولوج إلى العلاج بكلفة مادية في المتناول ثانيا، نظرا لأن الدواء الجنيس المصنّع في بلادنا يبقى مقارنة بأسعار أدوية من نفس الطينة في دول أخرى مرتفعا بشكل كبير، يعود اليوم لتتسع رقعة ضحاياه، بما أن الدواء المغربي المتحدث عنه غير متوفر في الصيدليات منذ حوالي شهرين، الأمر الذي خلق معاناة كبيرة للمرضى وأسرهم، الذين وجد عدد منهم نفسه تائها بين الصيدليات مستنجدا بكل من له صلة بالصيدلة ومجال الدواء بشكل خاص، وبالمنتمين لقطاع الصحة بشكل عام، لعلّه يجد دواء يضمن له أو لقريبه المريض إما الشروع في العلاج أو مواصلته، لتفادي المضاعفات التي قد تطاله في حال عدم أخذ الدواء.
مضاعفات، يعرف المختصون والمهتمون بهذا المجال بأنها تتمثل في الإصابة بتشمّع الكبد أو تعرضه للسرطان في حال عدم العلاج، مما يجعل من الولوج إلى الدواء أمرا حيويا ومصيريا، يتعين على الجهات المختصة من وكالة للأدوية ومنتجات الصحة ووزارة وصية القيام بكل الجهود الممكنة من أجل الحفاظ على الأمن الدوائي للمغاربة، ففي الوقت الذي كشفت الجائحة الوبائية لفيروس كوفيد 19 عن أولوية وأهمية تحقيق السيادة الدوائية، نجد أنه بعد أن تعافت بلادنا من هذه الأزمة الصحية، لا تزال تلوح في كل مرة أزمة مرتبطة بفقدان دواء ما، إلى أن وصل الأمر إلى غياب حوالي 40 عن رفوف الصيدليات في فترات مختلفة، مما يكشف عن أزمة كبيرة في تدبير مخزون الدواء، وفي التعاطي مع التراخيص المختلفة، لأن الاهتمام الأكبر يجب أن ينصب على الأدوية الحيوية التي في غيابها تتعرض الصحة العامة للخطر!

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 18/06/2025