إلى من يكتب خطابات… تعرف على المعارضة قبل أن تتجرأ!
بقلم: نورالدين زوبدي
نورالدين زوبدي
حينما يضيق صدر الحكومة، تتحول المعارضة فجأة إلى عدو، وكأن الانتقاد أصبح جريمة كبرى، وواجبها الوحيد هو الصمت والتسليم. وقد تجلى هذا الإحساس مؤخراً خلال أشغال اللجنة المالية بمجلس النواب، حين وصف رئيس الفريق التجمعي المعارضة بأوصاف مبالغ فيها، متهمًا إياها بالتبخيس والشعبوية ونشر الأباطيل، وكأن النقد السياسي صار أشد من أي جريمة مالية.
الطريف أن هذا الخطاب لم يكن حاضرًا حتى في أوقات كانت فيها المعارضة شرسة، تسعى لتغيير جذري في المشهد السياسي، ومع ذلك كانت تعامل داخل البرلمان بسعة صدر واحترام، رغم ما كان يحدث خارجه من تضييق واعتقالات.
رئيس فريق الحزب القائد للحكومة يبدو أنه نسي، أو تناسى عن عمد، أن المعارضة كانت حجر الزاوية في بناء المؤسسات وترسيخ المسار الديمقراطي الذي أفضى في نهاية المطاف إلى انتخابات أوصلت حزبه إلى قيادة الحكومة. تجاهل أيضًا أن المعارضة كانت دائمًا في قلب النقاش السياسي، وأن خطابها كان هو المسيطر في الإعلام والشارع والجامعات، يشكل وقودًا لكل ممارسة سياسية مسؤولة.
تدخل رئيس فريق التجمع الوطني جاء ليؤكد تمامًا ما وصف به الاتحاد الاشتراكي الحكومة سابقًا بـ«المتغولة»، إذ لم يترك أي مجال للشك في تغول الخطاب وسعيه لإقصاء المعارضة وتقزيم دورها.
دسترة المعارضة؟ يبدو أن بعض المسؤولين يقرؤون الدستور كما يشاءون، فالاعتراف بالدور الرقابي والتشريعي للمعارضة يبدو بالنسبة لهم مجرد حبر على ورق. تصريحات رئيس الفريق التجمعي تفرغ هذا المفهوم من محتواه، وتحوّل المعارضة من ركيزة دستورية إلى مجرد هدف للنقد الشخصي.
حتى إدريس البصري، وزير الداخلية الأسبق، كان يعرف كيف يتعامل مع المعارضة، التي كانت تحمي الدولة من المخططات الضيقة، ولم يسبق له أن استخدم خطابًا يشبه ما قاله رئيس الفريق التجمعي، ما يوضح إما جهلًا بالتاريخ أو تجاهلًا متعمدًا للأدوار الدستورية.
وبالتالي، كان رد رئيس الفريق الاشتراكي، المعارضة الاتحادية، عبد الرحيم شهيد، الذي طالب -بكل لطف وتهكم– باستبدال من يكتب مثل هذه الخطابات لرئيس الفريق، على حق. فالاستماع لتصريحات كهذه لا يمكن إلا أن يكون علامة على جهل بالتاريخ أو الأدوار الدستورية… أو ثقة مفرطة بالنفس تجعل المرء يظن نفسه أستاذًا في فن التجاهل والتغول!
ما وقع لا يمكن اعتباره مجرد هفوة، بل يستدعي تصويًبا سياسياً حقيقياً، يضع أحزاب الحكومة عند الحدود التي لا يمكن تجاوزها في علاقتها مع المعارضة، حفاظًا على دورها الدستوري ومصداقية العمل الديمقراطي.
ويحدث هذا لسبب واحد: ضعف التكوين السياسي لدى بعض أطر الحكومة، الذين غالبًا ما يكونون تقنوقراط يكتفون بالإجراءات الإدارية، بعيدًا عن البُعد التاريخي والسياسي. لو كان رئيس الفريق التجمعي ملمًا بتاريخ المعارضة المغربية وعايش أحداثها، لما تجرأ على قول ما لم يكن ينبغي قوله
من الواضح أن الحكومة، أو بعض أطرها، لا تدرك تمامًا الدور التاريخي للمقاومة السياسية والمعارضة في بناء الدولة المغربية الحديثة، ولا أهمية تضحياتها في ترسيخ المؤسسات والمسار الديمقراطي، ما يجعل الخطاب المتغول ضد المعارضة مضحكًا ومثيرًا للأسى في الوقت ذاته.
فهل تعتقد الأحزاب التي تشكل اليوم عمود الحكومة أنها قادرة على تمرير هذا النوع من الخطاب دون أن تواجه رفضًا من القوى السياسية التي صنعت جزءًا من تاريخ هذا البلد؟
وهل تدرك أن ذاكرة الشعب المغربي لا تنسى تضحيات المعارضة، وأن محاولة تصغير دورها لن تخدم الديمقراطية، بل ستفتح الباب أمام تغول سياسي لا يرى في النقد إلا تهديدًا لسلطته؟
الكاتب : بقلم: نورالدين زوبدي - بتاريخ : 30/10/2025

