استمرار رهان القوة وسط التوتر الاجتماعي بفرنسا بين الرئيس والنقابات
باريس يوسف لهلالي
متظاهرون يحاولون محاصرة مقر المجلس الدستوري للتظاهر أمامه والشرطة تفرقهم وتشدد الحراسة على هذه المؤسسة الدستورية، هي صورة خارجة عن المألوف بفرنسا، التظاهر أمام هذه المؤسسة الدستورية التي تقع في الحي الملكي بجانب متحف اللوفر بباريس، والتي كان عليها البت في دستورية القانون المعروض أمامها، وهو قانون رفع سن التقاعد بالإضافة إلى بنود أخرى حول نفس القانون. ربما لا يعرف عدد كبير من الفرنسيين، ومند عقود، ماهو عمل هذه المؤسسة، ليكتشفوا اليوم دورها في البت في دستورية القوانين من عدمه، وليقرر البعض منهم الاحتجاج أمامها، وهو الأمر الذي كان ممنوعا.
وقد أقر المجلس الدستوري الجزء الأهم من قانون إصلاح نظام التقاعد، الذي يعد المشروع الأساسي في ولاية إيمانويل ماكرون الثانية، والذي ترفضه النقابات والمعارضة والشارع الفرنسي. ورفض المجلس عددا من الجوانب الثانوية في الإصلاح، لكنه لم يعترض على الإجراء الرئيسي الذي يرفع سن التقاعد القانوني من 62 عاما إلى 64 عاما.
وفي قرار منفصل، رفض أعضاء المجلس الطلب الأول لإجراء استفتاء المبادرة المشتركة، والذي سعى إلى قصر سن التقاعد على 62 عاما، والذي تقدمت به بعض أحزاب المعارضة.
وقوبل قرار المجلس الدستوري بالاستياء والغضب عبر تجمعات حاشدة في البلاد أفضت في بعض الأحيان إلى تظاهرات عنيفة في عدد من المدن، وفي باريس، تم توقيف 112 شخصا، بحسب الشرطة. التي اتهمت بعنف مفرط خاصة في مدينة رين، حيث تعكس الصور والفيديوهات المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي العنف المفرط للشرطة الفرنسية تجاه المتظاهرين، وهو ما نددت به الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان.
في الأيام الأخيرة، تراجعت حدة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ منتصف يناير، خصوصا الخميس الأخير الذي يعد اليوم الثاني عشر من التعبئة، (380 ألف متظاهر بحسب وزارة الداخلية، 1,5 مليون بحسب نقابة الاتحاد العمالي العام) .
وبدأت الحركة الاجتماعية، وهي من بين الأهم في العقود الأخيرة، بعد تقديم مشروع الإصلاح في 10 يناير، مع خروج تظاهرات حاشدة، بينما تجري دراسة النص في البرلمان في أجواء متوترة للغاية بين الحكومة التي لا تملك الأغلبية المطلقة في المجلس، والمعارضة التي أكدت أنها مصممة على متابعة معركتها.
مباشرة بعد أن صادق المجلس الدستوري على القانون، أصدر الرئيس الفرنسي بسرعة وفي نفس الليلة، مرسوم إصلاح نظام التقاعد الذي ينص على رفع سن التقاعد إلى 64 عاما، حسب ما جاء في الجريدة الرسمية ليوم السبت الماضي.
الرئيس دعا النقابات إلى لقاء بالقصر الجمهوري، وهو ما رفضته هذه الأخيرة، وتعهدت بإقامة تظاهرات استثنائية بمناسبة عيد العمال الذي يصادف فاتح ماي.
كما أن عددا من فروع النقابات هددت بتنظيم إضرابات بالعديد من القطاعات خاصة بقطاع السكك الحديدية، وذلك من أجل دفع الحكومة إلى التراجع عن إصلاحها. وهو إصلاح حسب السلطة ملح لمعالجة التدهور المالي لصناديق التقاعد وشيخوخة السكان، لكن المعارضين يرون أنه «غير عادل»، خصوصا بالنسبة للنساء والعاملين في وظائف شاقة في العديد من القطاعات.
الرئيس الفرنسي قرر مخاطبة الفرنسيين عبر التلفزيون، مساء الاثنين، وذلك «بمنطق التهدئة» وسوف يحاول عرض منجزاته في مجال تراجع البطالة وخفض الضرائب. لكن الرهان الكبير، هل يقنع الرئيس أغلبية الفرنسيين التي تعارض هذه الإصلاحات، وهل ستنجح الإضرابات والاحتجاجات التي استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر، ووحدة النقابات، في دفعه إلى التراجع، أم أنه سينجح في طي صفحة هذا الإصلاح المثير للجدل والمرور ربما إلى إصلاحات أخرى؟
لا أحد يتوقع اليوم مآل هذه الأزمة الاجتماعية الحادة بفرنسا، والتي تعكس تأزم المنظومة السياسية ومؤسساتها، والتي أصبحت عاجزة عن إقناع الفرنسيين من أجل تبني إصلاحات اجتماعية واقتصادية مختلفة، وهي وضعية خطيرة على الوضع السياسي بفرنسا.
فقدان المؤسسات السياسية للشرعية من طرف المواطنين الفرنسيين يمكن أن يؤدي إلى تزايد العنف أثناء الاحتجاجات والإضرابات، وسيسهل وصول التيارات السياسية المتطرفة إلى قمة السلطة في الانتخابات الرئاسية. فممثلة اليمين المتطرف مارين لوبين، وصلت إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية بفرنسا مرتين متتاليتين، وتمكنت من الحصول على أكبر فريق برلماني بالجمعية الوطنية الفرنسية (90 نائبا برلمانيا)، وهي سابقة في مؤسسات الجمهورية الخامسة، والتي أصبحت أغلبية من الفرنسيين تطالب بإصلاحها.
في ظل هذه الأوضاع السياسية والاجتماعية المتوترة، لا أحد يعرف مآل الاستحقاقات السياسية المختلفة التي تنتظرها فرنسا.
الكاتب : باريس يوسف لهلالي - بتاريخ : 18/04/2023