الأممية الاشتراكية تقرر نهاية احتكار البوليساريو لتمثيلية الصحراويين وتمدد الدبلوماسية المغربية

سعيد الخطابي*
تشهد قضية الصحراء المغربية تحولا استراتيجيا غير مسبوق، يتجسد في كسر احتكار «جبهة البوليساريو» لتمثيلية الصحراويين داخل المحافل الدولية، بعد أن قررت الأممية الاشتراكية قبول حركة «صحراويون من أجل السلام» كعضو ملاحظ ضمن اجتماعاتها، بنفس الوضعية التي كانت تحظى بها الجبهة منذ عقود. خطوة مفصلية تهز دعائم الخطاب الأحادي الذي دأبت البوليساريو على تسويقه، وتفتح الباب أمام تعددية صحراوية تعكس الواقع المركب والمتنوع للمجتمع الصحراوي المعاصر.
إن دخول حركة جديدة تحمل رؤية بديلة، وتتألف من شخصيات وازنة بعضها كان في السابق داخل هياكل البوليساريو، يعبر عن مأزق داخلي حقيقي تعيشه الجبهة. هذا التحول لا يعد فقط صدمة سياسية للبنية الاحتكارية للبوليساريو، بل هو أيضا تتويج لمسار دبلوماسي متراكم قاده المغرب باقتدار، واستثمر فيه إمكانياته الرسمية والحزبية والمدنية لخدمة قضية الصحراء من زوايا متعددة.
حركة «صحراويون من أجل السلام» هي ولادة سياسية من رحم المخيمات أحدث ظهورها هزة حقيقية في صفوف البوليساريو، لا سيما بعد أن تبين أن عددا من أعضائها المؤسسين قدموا من داخل المخيمات، ومن بينهم سفير سابق للجبهة بفنزويلا. هذا المعطى يفند بشكل قاطع مزاعم الجبهة بأن الحركة مجرد «أداة مغربية»، بل يبين أنها نتيجة طبيعية لانشقاقات فكرية وسياسية داخلية، ولرغبة عدد من الإطارات الصحراوية في تجاوز خطاب الجمود والتصعيد، والسير نحو حل سياسي واقعي ومنصف.
وفي محاولة يائسة لتقويض شرعية هذه الحركة، لجأت البوليساريو إلى احتجاج رسمي أمام قيادة الأحزاب الاشتراكية داخل المنظمة، متهمة المغرب بافتعال تمثيلية بديلة. إلا أن هذا المسعى قوبل ببرود من قيادة الأممية، التي اعتبرت أن «صحراويون من أجل السلام» تستوفي كل شروط الانخراط في منطق التعددية السياسية داخل الفضاء الصحراوي، خاصة في ظل غياب أي مسار ديمقراطي حقيقي داخل الجبهة ذاتها.
وعلى هذا الأساس فإنه لا يمكن قراءة هذا التحول دون ربطه بالمكاسب المتوالية التي راكمتها بلادنا على الصعيد الدبلوماسي. فبقيادة جلالة الملك محمد السادس، نهجت المملكة سياسة خارجية ذكية، عمادها الحضور المتوازن في المنتديات الدولية، وتعزيز الشراكات جنوب-جنوب، وتوسيع رقعة الاعتراف بمغربية الصحراء. ويكفي التذكير بافتتاح أكثر من ثلاثين قنصلية إفريقية وعربية في العيون والداخلة، والدعم المتنامي لمبادرة الحكم الذاتي من قبل قوى وازنة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا.
وفي قلب هذا الحراك السياسي والدبلوماسي، يبرز حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كفاعل حزبي مركزي في تفعيل الدبلوماسية الموازية. لقد شكل تنظيمه لأشغال المؤتمر الأخير للأممية الاشتراكية في الرباط محطة محورية أعادت رسم تموقع المغرب داخل هذا الفضاء الأممي، واستثمر الحدث بحنكة سياسية للدفع بملف الصحراء نحو أفق جديد يقوم على التعددية والمشروعية. وقد لعب الحزب دورا أساسيا في إقناع عدد من الأحزاب الاشتراكية العالمية بقبول عضوية حركة «صحراويون من أجل السلام»، من خلال ترافع عقلاني ومقنع قدم النموذج المغربي في الحكم الذاتي كحل ديمقراطي ومتقدم. وهو إنجاز وثمرة عمل مؤسساتي منسق وتجسيد لمفهوم جديد في التعاطي مع القضايا الوطنية الكبرى، حيث لم تعد الأحزاب مجرد أدوات تعبئة داخلية، بل امتدادا فعليا للواجهة الدبلوماسية المغربية.
وفي مقابل هذا الزخم المغربي المتنامي، تجد البوليساريو نفسها محاصرة بخطاب تقليدي يفتقر إلى الواقعية، في وقت بات فيه شباب المخيمات، وعموم الصحراويين، أكثر ميلا إلى الحلول السلمية التي تضمن الاستقرار والتنمية والانخراط في المشروع الوطني. فقد أضحى الإصرار على أطروحة الانفصال، في ظل المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية الدولية، إصرارا على اليقين بالفشل والنزوع نحو الخطاب الدوغمائي لأوليغارشية المرتزقة الذي لم يعد يقنع أحدا. والتعددية التي لطالما دعت إليها القوى الديمقراطية الدولية بدأت تجد تجسيدا فعليا في انبثاق تيارات صحراوية جديدة ترفض منطق الاحتكار السياسي والتحكم والوصاية الاستبدادية.
ويبدو جليا أن هذا التحول النوعي بداية نهاية الوصاية الإيديولوجية التي مارستها البوليساريو لعقود داخل الفضاء الأممي. وهو أيضا انتصار نوعي للمغرب الذي استطاع، من خلال تنويع واجهات العمل، أن ينتزع مشروعية أكبر لمقترح الحكم الذاتي، ويؤسس لتعددية تمثيلية تعكس نبض المجتمع الصحراوي الحقيقي. ويعد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نموذجا يحتذى في كيفية تحويل الدبلوماسية الحزبية إلى قوة اقتراح وترافع دولي يخدم القضايا الوطنية المصيرية، في انسجام تام مع الرؤية الملكية الشاملة.
لذلك يمكن القول إن الرسالة اليوم باتت واضحة حيث لم تعد البوليساريو الممثل الوحيد، ولم يعد خطاب الانفصال الخيار الممكن. لقد بدأ زمن الواقعية السياسية، وزمن الحلول المستندة إلى إرادة العيش المشترك في إطار السيادة الوطنية والتنمية المستدامة.
* الكاتب الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
عضو المجلس الوطني للحزب.
الكاتب : سعيد الخطابي* - بتاريخ : 26/05/2025