الاتحاد الاشتراكي نحو المؤتمر الثاني عشر: نجاح قبل الانطلاق ووحدة في خدمة مغرب صاعد

عبد السلام المساوي - محمد السوعلي
يدخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية غمار مؤتمره الوطني الثاني عشر بثقة متجددة، ووحدة تنظيمية أثبتت قوتها قبل الانعقاد الرسمي. فالاتحاد الذي لم يفقد يومًا جوهر فكرته ولا صدق رسالته، نجح في أن يجمع بين التجذر التاريخي والتجديد الفكري، وبين الوفاء للمبادئ والانفتاح على رهانات الحاضر والمستقبل.
لقد جسّد الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر قيادةً مؤسساتية متوازنة أعادت للحزب تماسكه ووهجه الميداني، من خلال حضور مباشر في الأقاليم والجهات، حيث تحوّل الإعداد القبلي للمؤتمر إلى ورش وطني للنقاش، والمسؤولية، وتجديد الثقة في المشروع الاتحادي.
تلك الدينامية الميدانية، المدعومة بأوراق فكرية وتنظيمية ذات عمق سياسي واقعي، جعلت المؤتمر الوطني الثاني عشر أكثر من موعد تنظيمي؛ جعلته لحظة وعي جماعي واستمرار لمسار الإصلاح والاقتراح في خدمة الدولة الاجتماعية ومغرب العدالة والتنمية المتوازنة.
وبهذه الروح الوحدوية، يدخل الاتحاد الاشتراكي مؤتمره الجديد متسلحًا بإرثٍ نضالي عريق، وبرؤية حديثة لمستقبل الوطن، تؤكد أن الاتحاد ما يزال مدرسة للوطنية، ومختبرًا دائمًا للأمل، وصوتًا عقلانيًا في زمن الحاجة إلى التوازن والجرأة والمسؤولية.
الاتحاد في جوهر الفكرة وليس في الشعارات
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليس مجرد تنظيم سياسي، بل تجربة فكرية ووطنية متجذرة في الوعي الجماعي للمغاربة. هو بيت للفكر والتجديد، ومدرسة في الالتزام والمسؤولية. من ينتمي إلى الاتحاد لا يفعل ذلك بدافع العاطفة، بل عن قناعة بأن السياسة عمل نبيل يخدم الوطن والمواطن.
الاتحاديات والاتحاديون اليوم يجددون التزامهم بمسار طويل من النضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة، واضعين مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ومؤمنين بأن الاتحاد الاشتراكي سيظل قوة اقتراحية وتقدمية في خدمة المشروع الوطني بقيادة جلالة الملك محمد السادس.
إن جوهر الاتحاد الاشتراكي لم يكن يومًا شعارًا عابرًا، بل رؤية أخلاقية وسياسية تجعل من الوطنية ممارسة يومية لا تُختزل في الخطابات. فالاتحاد اليوم مدعو إلى تجديد فكره التنظيمي وتطوير أدوات تواصله مع المجتمع، ليظل مدرسة حية في العمل السياسي الراقي، حيث تتكامل الفكرة والواجب والمسؤولية.
الاتحاد الاشتراكي في قلب الفعل الوطني
في زمن التحولات السريعة التي يعرفها المغرب والعالم، يصبح من الطبيعي أن تتعرض الأحزاب ذات التاريخ والمصداقية لحملات تشويش أو استهداف، خاصة حين تثبت حضورها كقوة عقلانية ومسؤولة.
إن بعض الأصوات التي تهاجم الحزب أو تحاول التقليل من مكانته، تكشف في العمق عن أزمة فكرية في المشهد السياسي، حيث تُستبدل النقاشات الجادة بالسطحية، والمشاريع بالضجيج. لكن الاتحاد الاشتراكي، بعمقه المؤسساتي، لا ينجرّ إلى هذا النوع من النقاشات، لأنه حزب يشتغل على الملفات الكبرى: الإصلاح السياسي، التنمية الاقتصادية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في الفرص، مؤمن بأن النقد الحقيقي هو ما يبني، لا ما يهدم.
وما يتعرض له الاتحاد من محاولات تهميش أو تبخيس هو في حقيقته اعتراف غير مباشر بدوره المحوري في الدفاع عن الدولة الوطنية الحديثة. فحين يلتزم الحزب بالموقف المسؤول في لحظات التوتر السياسي، فإنه يرسخ قيم الاستقرار والاتزان، رافضًا الانجرار نحو خطاب الأزمات أو الشعارات الشعبوية. وهنا تكمن قوته التاريخية: في قدرته على الإصغاء للعصر دون أن يفقد بوصلته الفكرية.
القيادة الاتحادية: من الشخص إلى الفكرة
عندما يتحدث الاتحاديون عن الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر، فإنهم لا يتحدثون عن شخص بقدر ما يعبرون عن تقديرهم لأسلوب قيادةٍ عقلانية ومؤسساتية حافظت على تماسك الحزب واستمراريته في لحظات صعبة.
لقد تمكنت القيادة الحالية من إعادة بناء التنظيم، وإحياء ديناميته الميدانية، وتثبيت موقع الحزب كفاعل سياسي وطني يشارك بجدية في النقاش العمومي ويساهم في بلورة الرؤى الإصلاحية. إن هذا التقدير لا يقوم على الولاء للأشخاص، بل على الإيمان بقيمة العمل الجماعي، وبأن الحزب هو مؤسسة تتطور بالاجتهاد والتجديد، لا بالصراعات الجانبية أو الاصطفافات الضيقة.
فالقيادة في الاتحاد ليست امتيازًا بل مسؤولية، وهي تتجسد اليوم في قدرة الكاتب الأول على تحويل الاختلاف إلى طاقة اقتراحية. فالقائد الحقيقي لا يقيس حضوره بعدد المتابعين، بل بقدرته على صون وحدة التنظيم واستمرارية الفكرة. وهذا ما يجعل الأستاذ إدريس لشكر نموذجًا في القيادة المؤسساتية التي تُغلب المصلحة العليا على المزايدات الفردية.
التحضير الميداني للمؤتمر: نجاح قبل الانطلاق
قبل أن تُرفع ستارة المؤتمر الوطني الثاني عشر، كان النجاح قد تحقق فعلاً في الميدان. لقد تميزت المرحلة التحضيرية بحركية غير مسبوقة قادها الكاتب الأول، من خلال زياراته التنظيمية إلى مختلف الأقاليم والجهات، وترؤسه للجلسات الافتتاحية للمؤتمرات الإقليمية، حيث جسّد أسلوب القرب والإصغاء والحوار المباشر مع القواعد والمناضلين.
هذه الدينامية أعادت للحزب روحه الجماعية وأكدت أن الاتحاد الاشتراكي ليس حزب المكاتب المغلقة، بل حزب الميدان والمبادرة والتعبئة.
كما أن قوة الأوراق التحضيرية المقدمة للمؤتمر – السياسية والتنظيمية والاقتصادية والاجتماعية – تعكس نضج المشروع الاتحادي وتجدد رؤيته، إذ جاءت مؤسسة على تحليل واقعي عميق ورؤية تقدمية متوازنة تستشرف مغرب المستقبل.
لقد أثبتت هذه المرحلة أن الاتحاد الاشتراكي يدخل مؤتمره وهو في أوج تماسكه التنظيمي والفكري، وأن روح التجديد لا تأتي من القاعة فقط بل من الميدان، من الأقاليم التي شكلت نبض الحزب وحضوره الحقيقي. إن هذه التعبئة القاعدية أعادت الثقة في المشروع الاتحادي وكرّست مفهوم القيادة الجماعية المتفاعلة مع الوطن ومع المواطن.
المؤتمر الثاني عشر: لحظة وعي ومسار نحو المستقبل
يُعتبر المؤتمر الوطني الثاني عشر مناسبة لتجديد الرؤية الاتحادية في ضوء التحولات السياسية والاجتماعية التي يعيشها المغرب.
إنه ليس فقط محطة تنظيمية، بل ورشة فكرية لإعادة بناء العلاقة بين السياسة والمجتمع، وتأكيد أن الاتحاد الاشتراكي لا يزال قادراً على تجديد ذاته واستيعاب طموحات الأجيال الجديدة.
فالحزب اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يقدم أجوبة عملية على أسئلة التنمية، التشغيل، التعليم، والصحة، وأن يسهم في بلورة نموذج تنموي ديمقراطي متوازن يجعل المواطن في قلب السياسات العمومية.
والمؤتمر الثاني عشر يجب أن يكون لحظة تأسيسية لمرحلة جديدة عنوانها “الاتحاد في خدمة الدولة الاجتماعية”. فالتحدي لم يعد فقط في تجديد الخطاب، بل في ابتكار أدوات جديدة للفعل السياسي المحلي والجهوي، تعيد الثقة إلى الشباب وتمنح السياسة معناها العملي كخدمة عمومية. فالتجديد هنا ليس تغيير الوجوه، بل تحديث الفكر والأداة والنظرة إلى المستقبل.
الاتحاد مدرسة للوطنية والمسؤولية
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ليس حزباً موسمياً، بل مدرسة فكرية شكلت ضمير الوطن لعقود. وقد أثبت عبر تاريخه أنه يتجدد كلما تغيرت السياقات، لأنه يحمل مشروعًا وطنيًا إصلاحيًا يوازن بين الوفاء للمبادئ والانفتاح على المستقبل.
ومع اقتراب المؤتمر الوطني الثاني عشر، فإن رهان الاتحاديين الحقيقي هو تجديد الثقة في الفكرة الاتحادية، في المشروع الذي يربط بين الديمقراطية الاجتماعية والدولة الوطنية، بين الواقعية السياسية والطموح الإصلاحي.
الاتحاد الاشتراكي اليوم مطالب بأن يستثمر رصيده التاريخي لبناء تعاقد جديد مع المجتمع، قوامه الثقة والفعالية والواقعية. فالقوة الاتحادية لا تُقاس بعدد المقاعد، بل بقدرتها على التأثير في الوعي العام وصناعة البدائل.
وهنا يكمن جوهر رسالته: أن يكون صوت العقل والإصلاح في مغرب يتطلع إلى صعود متوازن، اقتصادياً، اجتماعياً، ومؤسساتياً.
فالاتحاد الاشتراكي كان وسيبقى مدرسة للوطنية المتنورة، وفضاءً لإنتاج الأفكار والقيادات، وجسراً بين الذاكرة النضالية وآفاق المستقبل.
ختاما: نحو مؤتمر ناجح
لمغرب صاعد
بهذه الروح الوحدوية والمسؤولية العالية، يتوجه الاتحاديات والاتحاديون من مختلف جهات المملكة إلى بوزنيقة، حاملين معهم رصيد التاريخ وإرادة التجديد. لقد برهن التحضير القبلي للمؤتمر الوطني الثاني عشر أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب حيّ، منظم، وفاعل في كل لحظة من لحظات الوطن.
إن هذا المؤتمر لا يُنتظر نجاحه، لأنه ناجح قبل انطلاقه، بما تضمنه من نقاشات فكرية عميقة، وأوراق سياسية وتنظيمية ناضجة، وبرؤية جماعية تؤمن بأن المغرب الصاعد لا يمكن أن يكون إلا بمؤسسات قوية، وعدالة اجتماعية، وديمقراطية متجددة.
الكاتب : عبد السلام المساوي - محمد السوعلي - بتاريخ : 16/10/2025