الاتحاد الاشتراكي والتغول نقيضان لا يجتمعان : الاتحاد الاشتراكي قوة سياسية وضرورة حزبية لبلادنا

عبد السلام المساوي

سجل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قدرته على البقاء كبيرا في المشهد الحزبي المغربي رغم الضربات الكثيرة والعديدة التي تلقاها الحزب مرات ومرات، وجزء كبير من تلك الضربات كان تحت الحزام، ولم يكن نقيا تماما، أكد الاتحاد الاشتراكي يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021 أنه قوة سياسية أساسية وضرورة حزبية في بلدنا، ورقم وازن في أجندة المغرب .
رسالة موجهة إلى المستقبل، مفادها أن التغيير لم يعد مقبولا أن يظل مجرد شعار انتخابي، بل ينبغي ترجمته على أرض الواقع، في شكل برامج ومشاريع وأفكار خلاقة، تعيد الاعتبار إلى المواطن، وتشعره أن صوته ذهب في الاتجاه الصحيح .
كان درسا مغربيا بليغا آخر أكثر منه شيئا آخر …أكبر منتصر يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021 كان المغرب، وهذا أهم ما في الموضوع ككل .
بعد ظهور النتائج، بدأ عدد من قيادات الأحزاب يغيرون لهجتهم ويبدلون قاموسهم ويتوددون للحزب المتصدر للركوب معه في حافلة الأغلبية المقبلة، وتحول خطاب أولئك « القباح « الذين كانوا يظهرون بمظهر الخصوم الشرسين الذين بنوا حملتهم الدعائية وبرنامجهم الانتخابي على مهاجمة الحزب الفائز بالانتخابات إلى حملان وديعة بين عشية وضحاها .
إن قرار التموقع في المعارضة والأغلبية ليس نزهة في حديقة بل قناعة واختيارا شاقا، ينبغي أن يبنى على عدد من الأسس منها ؛
1- نتائج الاقتراع وكلمة الشعب ؛
2-التقارب الايديولوجي والفكري ؛
3-التقاطعات بين البرامج الانتخابية ؛
4- سوابق العلاقة بين الأحزاب سواء داخل الأغلبيات أو المعارضات السابقة .
لقد قطع المغرب أشواطا في إرساء نموذجه الديموقراطي، وجعل من الانتخابات والتمثيل الوطني والمحلي والجهوي، أسمى درجات خدمة المواطنين والدفاع عن مصالحهم وإيجاد حلول لقضاياهم في الصحة والتعليم والشغل والقضاء والترفيه والبنيات التحتية، وهو غير مستعد للتقهقر إلى الوراء …
إن للمغرب قوانين ودستورا أسمى وملكا يحترم المؤسسات، ولم يثبت عليه أن فضل حزبا على آخر، أو توجها على آخر، بل قال في عدد من خطبه إن حزبه الوحيد هو المغرب والوطن .
للأسف معظم أحزابنا تعتقد أن لعب دور المعارضة هو بمثابة لعنة أو عقاب سياسي ومكان من لا مكان له في مقاعد الحكومة، بل هناك من يعتبر المعارضة مقبرة يدفن فيها موتى الانتخابات، والواقع والدستور يقولان العكس بل يعطيان للمعارضة شأنا كبيرا لم تستوعبه طبقتنا السياسية لحد الآن، وليس هناك أي مؤشر يوحي باستيعابه قريبا . ولولا مكانة المعارضة لما خصص لها الدستور الحالي عددا من الفصول تظهر دورها الحيوي في ضمان توازن النظام السياسي وفعالية البناء الدستوري والمؤسساتي .
في كل الدول الديموقراطية التي تحترم نفسها هناك معايير ومبررات تحدد من سيكون في الأغلبية ومن سيصطف في المعارضة، وإذا كان الدستور المغربي قد حدد بناء على نتائج الاقتراع الحزب القائد للحكومة فإن روح الدستور شددت على أن يكون النظام السياسي متوازنا، وأن تكون المعارضة قوية، تقودها جهة سياسية ذات وزن وحضور كبير في الوطن، تضع نفسها في موضع المراقب والمحاسب للحكومة وأغلبيتها، مثلما تصنع معظم الدول الديموقراطية .
إن قرار التموقع في المعارضة والأغلبية ليس نزهة في حديقة بل قناعة واختيارا شاقا .
وحفاظا على التوازن داخل النسق السياسي، ولكي لا تتحول المعارضة إلى مكان شاغر تشغله معارضات الشارع المدفوعة بالعدمية والمجهول والفراغ، وخوفا على الوطن من الثلاثي المتغول، قرر الاتحاد الاشتراكي الرجوع إلى المعارضة.
جاء في بيان المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي المنعقد في 12 شتنبر 2021 «…انسجاما مع وضوحنا السياسي والفكري، وتعبيرا عن رفضنا التضييق على مساحات التعددية، فإننا نعلن اليوم أن حزب الاتحاد الاشتراكي يقرر بكل مسؤولية أننا سندافع عن خياراته والتزاماته من موقع المعارضة المؤسساتية، مواجهة كل النزوعات الهيمنية والإقصائية، وكل مسعى لوأد التعددية الحزبية والسياسية .»
وجاء في الندوة الصحفية التي عقدها، يوم 22 شتنبر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي بالمقر المركزي « إن من أوحى بهذا التحالف الثلاثي قد أساء إلى الأحزاب السياسية، وأفرغ السياسة من معناها الحقيقي وأدخلنا في مرحلة التغول الحزبي الذي حاربناه بكل قوة …إن هذا التحالف الثلاثي يحمل في خضمه تناقضات وبوادر التفجير، خاصة مع هذه المقدمات الميدانية التي أبانت عن هذا التغول الحزبي الخطير …».

مواجهتنا للتغول دفاع عن الدستور

يوم الجمعة 8 أكتوبر 2021، وجه جلالة الملك محمد السادس، خطابا ساميا إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية الحادية عشرة، جاء فيه : « ونود أن نشيد هنا، بالتنظيم الجيد، والأجواء الإيجابية التي مرت فيها الانتخابات الأخيرة، وبالمشاركة الواسعة التي عرفتها، خاصة في أقاليمنا الجنوبية .
وقد كرست هذه الانتخابات انتصار الخيار الديموقراطي المغربي، والتداول الطبيعي على تدبير الشأن العام. فالأهم ليس هو فوز هذا الحزب أو ذاك، لأن جميع الأحزاب سواسية لدينا …».
مباشرة بعد الخطاب الملكي، انعقد اجتماع للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، في البيان الصادر عقب الاجتماع، ثمن تذكير جلالة الملك بأنه يضع المسافة نفسها بينه وبين كل الأحزاب على قدم المساواة، والتأكيد على أدوار المعارضة في إنجاح هذه المرحلة .
يقول جلالة الملك: « إن بداية هذه الولاية التشريعية تأتي في مرحلة واعدة، بالنسبة لتقدم بلادنا .
وأنتم حكومة وبرلمانا، أغلبية ومعارضة، مسؤولون مع جميع المؤسسات والقوى الوطنية، على نجاح هذه المرحلة، من خلال التحلي بروح المبادرة، والالتزام المسؤول .
فكونوا رعاكم الله، في مستوى هذه المسؤولية الجسيمة، لأن تمثيل المواطنين، وتدبير الشأن العام، المحلي والجهوي والوطني، هو أمانة في أعناقنا جميعا … «.
وتفاعلا مع الخطاب الملكي، جاء في بيان المكتب السياسي المنعقد يوم الجمعة 8 أكتوبر 2021 « وعليه فإن مواجهتنا للتغول وللهيمنة ولمحاولات تحجيم وإضعاف أدوار المعارضة هو دفاع عن الدستور وعن التعددية ثانيا، وعن النموذج التنموي الجديد باعتبار نجاحه مرتبطا بالتشاركية والتضامن والتعددية.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نسمح بأي تراجعات ديموقراطية أو حقوقية، أو فرض إجماعات قسرية خارج ما يحدده الدستور من ثوابت ومن أدوار للمؤسسات المنتخبة وقي مقدمتها البرلمان بغرفتيه.
وفي هذا الصدد يؤكد الاتحاد الاشتراكي استمراره في الدفاع عن تحصين المؤسسات الدستورية وأدوارها. ولذلك سنواجه أي سعي لإفراغ مؤسسة البرلمان من مهامها في التشريع والمراقبة والمحاسبة، أو إضعافها بمبرر أغلبية عددية ساعية للتغول.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومن مسؤوليته كحزب وطني، يعتبر أن دقة المرحلة تفرض عليه بناء أسس معارضة وطنية، قوية، واقعية، اقتراحية، وتشاركية لمرافقة مرحلة الانتقال نحو نموذج تنموي جديد ببدايات سليمة .»
في افتتاح المؤتمر الإقليمي الرابع للاتحاد الاشتراكي بقلعة السراغنة ، في 19 مارس 2023 ، يقول إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي « اختار التغول أن يموقعنا في المعارضة ، لذلك فمن خلال فريقنا البرلماني، سواء في مجلس النواب أو مجلس المستشارين، نقوم بدورنا في المعارضة دفاعا عن المواطنات والمواطنين، وفي بعض الأحيان يدفعنا الحس الوطني والمسؤولية، وفوق هذا وذاك التوجيهات الملكية السامية واستراتيجيات جلالة الملك لإنقاذ هذا الوطن وتقدمه، يدفعنا كل هذا ألا نكون عدميين، وألا نؤدي دور المعارضة الشعبوية، واخترنا أن تكون معارضتنا معارضة مسؤولة، خاصة وأن الذين تحملوا المسؤولية الحكومية لما جاؤوا ببرنامجهم الحكومي، كان كما لو أنه برنامج للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في ما يتعلق بالحماية الاجتماعية والتنمية، فاخترنا أن نكون معارضة مسؤولة ناصحة منبهة، لكن مع كامل الأسف نلاحظ يوما بعد يوم أنه حتى أدوار المؤسسات بدأت تتقلص مع هذا التغول .
ستتفاجؤون كيف أن المعارضة تصوت لصالح قوانين الحماية الاجتماعية، ولصالح ميثاق الاستثمار أو التغطية الصحية أو الحماية الاجتماعية، يحيل في أغلب فصوله على المراسيم، في حين أن المراسيم تدخل في إطار السلطة التنظيمية، وما يخرج في هذه المراسيم يتعلق بقواعد قانونية دستورا هي من حق المشرع فقط ، وليس من حق الحكومة أن تبت فيها. هناك نوع من التضليل تمارسه الحكومة عندما تجر المعارضة إلى مبادئ وقواعد ونصوت عليها لكنها تحول جزءا أساسيا من التشريع ومن المهمة البرلمانية إلى الحكومة .
مع كامل الأسف حتى نساء ورجال الحكومة، الذين تحدثوا عنهم ككفاءات وكنا ننتظر أن ينتجوا هذه القواعد في المراسيم، تنازلوا عن حقهم وتحدثوا كحكومة، وعن نقل هذه القواعد والإجراءات القانونية من القانون إلى المراسيم التي أصبحت تتحدث عن قرارات وزارية، ومن ثمة فمن أصبح يتحكم في السياسة هو بنية تقنية أصبحت تحظى بالسلطة عوض الفاعل السياسي الذي صوت عليه المواطن سواء كان في الأغلبية أو المعارضة، لأن من هو في المعارضة فرض التغول عليه هذا الأمر، ومن هو في الأغلبية تنازل عن حقه في التدبير والتسيير .
نحن إذ ننتقد ونبين مكامن الخلل، ينبغي أن نقضي بحقيقة أن وضعنا ليس هو وضع جيراننا شرقا في الجزائر إلى العراق، فعندما نتحدث عن نصف الكأس الفارغ نستحضر النصف المملوء ، وهو ما يجعلنا ندافع عن استقرار بلادنا وأمنها «.

المعارضة الاتحادية تراكم تاريخي وسياسي

إن الاتحاد الاشتراكي هو الحزب الذي أسس لثقافة المعارضة في المشهد السياسي ببلادنا، ففي ظل الولايات التشريعية التي كانت تهيمن فيها الأحزاب « الإدارية « كان البرلمان يضم معارضة قوية يقودها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية « فريق المعارضة الاتحادية «، مما كان يضمن الكثير من التوازن الدستوري والسياسي، ويجنب البلد الانزياحات خارج الأطر الدستورية المشروعة .
ووفاء وامتثالا للمبادئ السامية والقيم النبيلة التي أسست لميلاد « المعارضة الاتحادية «، وأطرت مسارها السياسي، ورسخت خطها النضالي في مختلف المراحل والمحطات؛ فإن « الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية «، وفي زمن التغول، يمارس معارضة واعية ومسؤولة، على قاعدة نفس المبادئ والقيم التي جعلت من حزب الاتحاد الاشتراكي أنموذجا فذا في الوفاء والالتزام بقضايا الشعب والبلاد، مهما كلفه من تضحيات ونكران الذات…
المعارضة الاتحادية تراكم تاريخي وسياسي ترك بصماته واضحة في المسار الديمقراطي لبلادنا، وسنواصل ممارستها بكل مسؤولية، بعيدا عن الشعبوية والانتهازية واقتناص الفرص. فبقدر رفضنا لكل تبخيس لأدوار المعارضة البرلمانية ضدا على الدستور، ولكل الأحكام الجاهزة والموحدة حولها، بقدر مناهضتنا لأي تضليل أو تغليط في المشهد السياسي أو التمثيلي.
إننا نحرص على الوضوح من أجل تعزيز مساحات الفرز بين المبادئ والمواقف، وعدم اللجوء إلى الاصطفافات الشكلية لأن الجوهري بالنسبة إلينا أن يكون الاصطفاف مع مصلحة الوطن، ومع تعزيز الممارسة الديمقراطية التي أكد عليها زعيمنا سي عبد الرحيم بوعبيد حين قال إن الشعب يتعلم الديمقراطية بممارستها، ومن خلال العمل المؤسساتي الذي ساهم فيه فقيدنا سي عبد الواحد الراضي .
إننا سنظل أوفياء لقناعاتنا، أينما كان موقعنا، في الأغلبية أو في المعارضة، ولن نقبل أي تشكيك في مواقفنا المبدئية. فكما كان واهما سابقا من اعتقد أننا «سنسخن أكتافه»، فواهم أكثر منه من يعتقد اليوم أننا سنكون رهن إشارته لنكون حلفاءه المستقبليين، لأننا ندرك جيدا أن المشاركة في تدبير الشأن العام مؤطر بالمقتضيات الدستورية وباحترام المؤسسات.
الاتحاد الاشتراكي قوة سياسية معارضة، قوة دفع تقدمية، يسارية، اجتماعية – ديموقراطية تروم إصلاح وتطوير الأوضاع والمساهمة في رسم خطوط المستقبل ، ومناط تحول في المجالات كافة، السياسية والمؤسساتية والاجتماعية والثقافية …
إن الاتحاد الاشتراكي الوفي لتاريخه الوطني، المتشبع بهويته التقدمية، المستند إلى جذوره الاجتماعية – الشعبية، ليشكل في عالم اليوم قوة سياسية معارضة، تنخرط بوعي ومسؤولية في المساهمة في صنع مستقبل البلاد …
إن الاتحاد الاشتراكي أداة إصلاح وتغيير في الحاضر ومناط تطوير وتحديث في المستقبل، وإن قدراته السياسية والفكرية على التكيف والرؤية البعيدة، ومؤهلاته النضالية والميدانية، تجعل منه قوة فاعلة في حاضر البلاد ومستقبلها، كما كان وقود نضال وتغيير في الماضي البعيد والقريب…
إن الاتحاد الاشتراكي كان دائما مالكا للأفق المستقبلي ومن ثم كان يستشرف المستقبل ويفعل في الأحداث وكان له بعد نظر يجعله يستبق هذه الأحداث ويقود معاركها، وليعلم الجميع أن للمعارضة حزبا يقودها، هو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مارسها بقوة وتفوق في زمن القمع والجبروت، ويمارسها اليوم بنفس القوة والكفاءة في زمن التغول…ونؤكد للجميع أن الاتحاد الاشتراكي قوة سياسية معارضة، يناضل بوضوح ويعارض بوضوح، وإن التمييز بين قوى المعارضة يتم انطلاقا من توجهاتها الفكرية والإيديولوجية والسياسية لا انطلاقا من لغو الكلام وسفاسف الشعبوية …
الاتحاد الاشتراكي واضح فكريا وسياسيا، يقطع مع الخطاب المزدوج واللعب هنا وهناك كما هو الشأن بالنسبة لأغلبية التغول، فلا يحتاج المحلل السياسي إلى بذل الكثير من الجهد في التحليل، ليخلص إلى أن بيت الأغلبية السياسية ليس على ما يرام رغم تضخم خطاب الانسجام وكل «المكياج» الذي يوضع على وجه الأغلبية لتزيينها وإظهارها بمظهر الإئتلاف الذي يسوده التوافق والتنسيق الدائمان .
فبعد مرور أزيد من سنتين على تشكيلها، لا تزال الأغلبية عاجزة عن إنتاج هوية سياسية للمرحلة، بل إن بعض الأحزاب تخاف من ربط اسمها بالحكومة، وتضع ربع بيضها في سلتها بينما تحتفظ بثلاثة أرباع لوضعها في أي سيناريو محتمل، والمشكلة في الأحزاب المشكلة للحكومة أنها تريد أن تأكل في صمت وتدافع بصمت، وإذا اضطرت للكلام فهي تتحدث لغة الصمت الذي ينسب لها قولا لا فعلا . إن التحالف المهيمن رغم القوة العددية التي يتوفر عليها بالبرلمان والحكومة والجماعات الترابية ترك الفراغ على المستوى السياسي، بل إنه من المستحيل أن تتطابق أحزاب الأغلبية في ما يجري من أحداث ومشاكل مرتبطة بارتفاع الأسعار والسياق الصعب الذي نمر منه ، حيث اختلفت أحزاب الأغلبية في ردة فعلها على هذه الأحداث وعبر كل منها عن مواقف منفصلة تصل أحيانا إلى حد التناقض وإحراج الحكومة، مما أثار أسئلة عن أسباب هذا التباين وتأثيره المستقبلي على حالة الانسجام والتوافق داخل الأغلبية الحاكمة .
تذكرنا أحزاب الأغلبية بممارسة حزب المصباح لهوايته المفضلة بازدواجية الخطاب التي ظلت تلازم تدبيره جزءا من السلطة طيلة عقد من الزمن، الذي كان مولعا بالتواجد في كل الأمكنة في نفس الوقت، يريد الزبدة وثمن الزبدة، يعشق ملذات السلطة وصولجان المعارض ، وكان دائم البحث عن المبررات التي تسمح له بممارسة الشيء ونقيضه .
إنها حكومة بدون أغلبية، تؤكد من جديد، محدودية المشروع السياسي الذي اعتمدته لتشكيل الأغلبية، وغياب انسجامها، لكونها مجرد تحالفات عددية، لا يجمع بينها أي برنامج سياسي أو فكري، ودليل على أن النجاعة لا تحسب بالمقاعد ولكن بالقدرة على ابتكار الحلول للقضايا الشائكة، والانتقال بالبلاد نحو الأفضل، وأن ما يقع اليوم، حيث يتم الجَمع بين الهروب إلى الأمام واستغفال المغاربة، والحط من شأن الثوابت المؤسساتية، ومنها الأدوار الدستورية للمعارضة، كل هذا يُشكل مؤشرا على انزلاق خطير، يضع الأسس لتكريس هيمنة تُهدد الديمقراطية والتعددية، وتنذر بتراجعات خطيرة في مسار البناء الديمقراطي ببلادنا، وتهدد مختلف السياسات العمومية المستقبلية، والحال أننا في حاجة اليوم إلى حكومة، تحترم ذكاء المواطنات والمواطنين، وتتفاعل بقوة واستباقية مع متغيرات ومستجدات الوضع العالمي والمحلي.
«يتبع»

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 19/01/2024