الاستمرارية من أجل مغرب صاعد: الاتحاد الاشتراكي يجدد التعاقد بين القيادة والقاعدة في مؤتمره الثاني عشر

محمد السوعلي (*)
يعيش حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لحظة تاريخية فارقة، وهو يستعد لعقد مؤتمره الوطني الثاني عشر تحت شعار «مغرب صاعد: اقتصاديا، اجتماعيا ومؤسساتيا»، لحظة تتجاوز البعد التنظيمي لتشكل محطة سياسية وطنية بامتياز، تتقاطع فيها رهانات الحزب مع التحولات التي يعرفها المغرب في مساره نحو الدولة الاجتماعية والعدالة المجالية.
فالمؤتمر ليس مجرد محطة إجرائية لتجديد الهياكل، بل لحظة للتقييم والمراجعة الجماعية، ومجال لتجديد الفكر الاتحادي وترسيخ ثقافة المسؤولية والمحاسبة.
يأتي هذا الموعد في سياق وطني دقيق، تتعدد فيه التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية، مما يجعل الاستمرارية في القيادة خيارًا نابعًا من الوعي الجماعي بضرورة الحفاظ على التماسك الداخلي وضمان استقرار المسار الاتحادي.
إنها استمرارية لا تعني الجمود، بل تراكم التجربة وتطوير الرؤية، استمرارية تُؤمن بأن التغيير الحقيقي لا يتحقق بالقفز في المجهول، بل ببناءٍ متدرجٍ يراكم الإصلاحات ويصون المكتسبات.
فالرهان اليوم ليس على الأشخاص، بل على استمرار الخط الاتحادي في أداء رسالته التاريخية: الدفاع عن العدالة، الكرامة، والمواطنة الفاعلة، في سبيل مغربٍ صاعدٍ بثقة واستقرار.
1. مؤتمر في لحظة مفصلية من التحول الوطني
يأتي المؤتمر الوطني الثاني عشر في سياق وطني وإقليمي استثنائي، حيث تواجه بلادنا تحديات اقتصادية واجتماعية ومؤسساتية معقدة، من تقلبات الأسواق العالمية إلى ضرورة تسريع تنزيل ورش الحماية الاجتماعية وإعادة هيكلة الاستثمار العمومي والجهوي.
في هذا الإطار، يشكل المؤتمر لحظة سياسية حاسمة لتجديد الرؤية الاتحادية لمغرب الغد، ولتثمين ما تحقق من إصلاحات تنظيمية وفكرية داخل الحزب.
إن هذا المؤتمر يأتي متزامنًا مع التحولات التي يشهدها المغرب في أفق تنزيل النموذج التنموي الجديد، ومع توجيهات الخطاب الملكي الأخير الذي دعا إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة وتسريع وتيرة الإصلاحات. وهي دعوة تنسجم تمامًا مع الرؤية الاتحادية التي تعتبر أن الإصلاح لا يمكن أن يكون ظرفيًا أو انتقائيًا، بل مشروعًا وطنيًا مستدامًا يربط بين العدالة الاجتماعية والنجاعة الاقتصادية.
وهنا تبرز أهمية القيادة الاتحادية في الحفاظ على التوازن بين الواقعية السياسية والوفاء للمبادئ، بين التجربة التنظيمية والقدرة على التجديد.
2. الاستمرارية كخيار وطني لا حزبي
الاستمرارية في القيادة ليست امتيازًا شخصيًا، بل خيارًا وطنيًا وحزبيًا يعبّر عن وعيٍ سياسيٍّ ناضج بأهمية الحفاظ على الاستقرار الداخلي في زمن التحديات الكبرى. لقد أثبتت التجربة أن الانقطاع المتكرر في القيادة يخلق فراغًا تنظيميًا وفكريًا، في حين أن الاستمرارية تسمح بتراكم الخبرات وترسيخ الرؤية الواضحة.
منذ تولي الاخ إدريس لشكر المسؤولية، عرف الحزب مسارًا إصلاحيًا متدرجًا أعاد له توازنه الداخلي وحضوره السياسي، وفتح حوارًا جديًا مع المؤسسات الدستورية، وأعاد الاعتبار لموقع الاتحاد كقوة فكرية واقتراحية. ومن ثم فإن الاستمرارية تمثل امتدادًا لمسار الإصلاح لا عائقًا أمام التجديد، بل هي شرط لاستكمال البناء وضمان الانسجام بين القيادة والقاعدة، وبين الفكرة والعمل.
3. المؤتمر الوطني: فضاء للتقييم والتصحيح لا للمواجهة
ينبغي أن يُنظر إلى المؤتمر الوطني الثاني عشر كفضاء للتقييم الجماعي، وتبادل الرؤى، وإنتاج الأفكار، لا كساحة للمزايدات أو لتصفية الحسابات. فالاتحاد الاشتراكي هو حزب المؤسسات لا الولاءات، وحزب النقاش الديمقراطي لا الإقصاء.
إن قوة الحزب تكمن في قدرته على تحويل الاختلاف إلى مصدر غنى، وعلى الحفاظ على وحدة الصف الاتحادي في مواجهة التحديات الوطنية. ولذلك، فإن نجاح المؤتمر مرهون بترسيخ ثقافة المسؤولية الجماعية والالتزام التنظيمي، لأن اللحظة ليست لحظة أشخاص، بل لحظة مشروع سياسي وفكري يحتاج إلى انسجام وتعبئة.
فما يميز التجربة الاتحادية أنها لم تنكفئ على ذاتها رغم الصعوبات، بل ظلت منفتحة على النقد البناء والحوار الداخلي، باعتبارهما ضمانتين لاستمرارية الفعل الحزبي المسؤول.
4. من الماضي الاتحادي إلى المستقبل الوطني
الاستمرارية لا تعني الجمود، بل الوفاء لمسار نضالي ممتد في الزمن. فمنذ تأسيسه، حمل الاتحاد الاشتراكي مشروعًا وطنيًا للعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وقدم تضحيات جسيمة دفاعًا عن الحريات والمساواة. واليوم، يجد الحزب نفسه أمام مسؤولية تجديد هذا العقد التاريخي مع المجتمع، مستندًا إلى تراكمه الفكري وتجربته في التسيير والتدبير.
في لحظة يكثر فيها الارتباك السياسي وتراجع الأدوار الحزبية، تبرز الحاجة إلى قيادة اتحادية تمتلك الشرعية النضالية والخبرة السياسية، لتواصل بناء الدولة الاجتماعية، وتستمر في الدفاع عن الطبقة المتوسطة، والشباب، والفئات الهشة.
فـالاستمرارية هنا تعني صون المسار الاتحادي كرافعة لمشروع وطني جامع، وتحصين الحزب من التقلبات الظرفية، واستثماره كقوة فكرية ومجتمعية مؤثرة في صناعة القرار الوطني.
5. من الاستمرارية إلى التجديد : رهان الجيل الاتحادي الجديد
كما أن الاستمرارية لا تتعارض مع التجديد، بل تفتح المجال أمام جيلٍ جديدٍ من الاتحاديات والاتحاديين للمشاركة في صياغة القرار، والمساهمة في تطوير أدوات العمل الحزبي بما يواكب التحولات المجتمعية والتكنولوجية.
فالتجديد لا يتم بالقطيعة مع الماضي، بل بالانفتاح الذكي على المستقبل، في انسجامٍ مع روح الحزب وتاريخه النضالي. وهنا يبرز دور الشباب والنساء كقوة اقتراحية دينامية قادرة على تجديد الخطاب، وتحويل الطاقات الجديدة إلى رافعة للعمل السياسي المسؤول، بما يعزز المشروع الاتحادي ويمنحه نفسًا متجدّدًا في الساحة الوطنية.
6. نحو مغرب صاعد بثقة وتجديد
إن شعار المؤتمر «مغرب صاعد: اقتصاديا، اجتماعيا ومؤسساتيا»ليس مجرد عبارة، بل رؤية متكاملة لحزب يؤمن بأن صعود المغرب لن يتحقق إلا عبر العدالة الاجتماعية، والنمو الاقتصادي المندمج، والمؤسسات القوية.
ولتحقيق ذلك، لا بد من قيادة تمتلك التجربة والكفاءة، قادرة على الجمع بين الواقعية السياسية والجرأة الإصلاحية، وبين روح الاتحاد وقيم الدولة الاجتماعية.
إن الاتحاد الاشتراكي يجدد اليوم تعاقده بين القيادة والقاعدة، بين التاريخ والمستقبل، بين الفكرة والعمل، ليرسخ موقعه كقوة وطنية تقدمية تراهن على الاستمرارية كضمانة للتماسك والنهضة الاتحادية، وكجسر نحو مغرب صاعدٍ بثقة وإرادة مشتركة.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو يقف اليوم على أعتاب مؤتمره الوطني الثاني عشر، يدرك أن الحفاظ على مكتسباته لا يقل أهمية عن خوض معارك جديدة من أجل الديمقراطية والكرامة والعدالة. فالاستمرارية ليست تمسكًا بالمواقع، بل وفاءٌ لمشروعٍ وطنيٍّ يسعى إلى بناء مغربٍ صاعدٍ بالثقة والعقلانية والجرأة في الإصلاح.
إنها رسالة إلى الأجيال القادمة بأن السياسة ليست صراعًا حول المناصب، بل التزامٌ أخلاقي ومسؤولية تاريخية في خدمة الوطن والمواطن. الاستمرارية ليست جمودًا، بل إرادةٌ واعية لتصحيح المسار، وبناء مغربٍ صاعدٍ يربط بين الذاكرة الاتحادية وطموح الأجيال الجديدة.
(*)الكاتب الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – تطوان
الكاتب : محمد السوعلي (*) - بتاريخ : 15/10/2025