البيئة ليست قضية اختيارية أو محلية بل هي قضية وجود الإنسان والحياة

محمد الطالبي
يشرفني أن أتحدث إليكم اليوم كصحفي قادم من المغرب ومن شمال إفريقيا، إلى بلاد عرفت تحولات بيئية كبيرة، وهي الآن في مسار التعافي، نحن هنا بأديس أبابا بأثيوبيا الناهضة إلى العلياء، فشكرا على الاستضافة وحسن الاستقبال.
تجارب هذه البلاد في مواجهة الكوارث البيئية بعد أن عانت لسنوات طويلة من الجفاف والتدهور البيئي، والتي تركت مشاهد وألما لا أحد يتمنى أن تعود مجددًا، تجعلنا ندرك أن البيئة ليست قضية اختيارية أو محلية فقط، بل هي قضية وجود الإنسان والحياة. وهي مسؤولية جماعية تتطلب اهتمامًا أخلاقيًا وإنسانيًا، ودعمًا من كل الجهات، بما فيها الصحافة المستقلة، بل كل الصحافة، بلا استثناء، لها دور في المعارك الوجودية التي تخوضها الإنسانية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالبيئة والحفاظ على الحياة. فالصحافة ليست مجرد نقل للأخبار، بل هي خط دفاع عن الوجود ومستقبل الأجيال.
ومع ذلك، يواجه الصحفيون الأفارقة عدة تحديات وصعوبات حقيقية في معالجة القضايا البيئية، يمكن تلخيصها فيما يلي:
• نقص المعلومات والبيانات الموثوقة:
كثير من الصحفيين يواجهون صعوبة في الوصول إلى إحصائيات دقيقة أو دراسات علمية محدثة حول التلوث، الموارد المائية، التغير المناخي وإدارة الأراضي، ما يجعل التقارير أقل دقة ويحد من مصداقيتها.
• الضغط الاقتصادي والسياسي:
بعض الجهات الاقتصادية أو السياسية تمارس ضغوطًا لمنع كشف قضايا حساسة تتعلق بالتلوث الصناعي، استغلال الموارد الطبيعية بشكل غير قانوني، أو إخلال بالقوانين البيئية. هذا يحد من حرية الصحافة ويجعل الصحفيين أمام خيار صعب بين أداء واجبهم وحماية أنفسهم أو عملهم.
• المخاطر الأمنية والمضايقات:
الصحفيون البيئيون كثيرًا ما يتعرضون للتهديد، التشهير، أو حتى العنف المباشر بسبب تحقيقاتهم. ففي بعض المناطق، كشف تجاوزات بيئية أو فساد مرتبط بالموارد قد يؤدي إلى مخاطر جسدية أو قانونية عليهم.
• نقص التدريب والتخصص:
قلة الصحفيين المتخصصين في القضايا البيئية تجعل التغطية أقل عمقًا، وغالبًا ما تعتمد على النقل السطحي للأخبار. كما أن فرص التدريب المستمر محدودة، سواء على تقنيات الرصد أو أساليب التحقيق الاستقصائي البيئي.
• ضعف الوعي الجماهيري والاهتمام الإعلامي:
في بعض المجتمعات، قضايا البيئة لا تحظى بالاهتمام الكافي، مما يقلل من تأثير التقارير الصحفية. الصحفي يجد نفسه أمام تحدٍ مزدوج: إقناع الجمهور بأهمية الموضوع، وفي الوقت نفسه مواجهة قلة الدعم المؤسسي.
• التحديات التكنولوجية واللوجستية:
صعوبة الوصول إلى أدوات الرصد والتحليل البيئي الحديثة، خصوصًا في المناطق النائية أو الفقيرة، تجعل متابعة التغيرات البيئية واستقصاء الحقائق أكثر تعقيدًا.
• التشابك بين المصالح الاقتصادية والمجتمعية:
أحيانًا يكون هناك تعارض بين مصالح التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، مما يضع الصحفي في مواجهة صعبة بين نقل الحقيقة وإثارة القضايا الحساسة، وبين الضغوط الاجتماعية أو الاقتصادية التي قد تواجهه.
إن التغلب على هذه التحديات ليس خيارًا، بل واجب مهني وأخلاقي وإنساني. الصحفيون ملتزمون بالاستمرار في كشف الحقائق البيئية ونشر الوعي، حفاظًا على صحة الناس وحقوقهم في بيئة سليمة ومستقبل مستدام.
لذلك، أطالب الاتحاد الإفريقي عبر أجهزته المختصة بوضع خارطة طريق إعلامية تدعم الصحافة الاستقصائية البيئية، لتعزيز قدرة الصحفيين على كشف الحقائق، حماية البيئة، ومواكبة جهود التعافي.
إن أي جهد إعلامي لن يكون كافيًا إذا لم تتجذر القناعة بأن مسار البيئة هو مسار الإنسان والحياة، وأن مسؤوليتنا هنا أخلاقية وإنسانية، ومرتبطة بالحرص على مستقبل الوجود.
فلنقف جميعًا داعمين للصحفيين، حماة الحقيقة البيئية، وركائز الوعي المجتمعي لضمان بيئة صحية ومستقبل مستدام لكل البشر.
الكاتب : محمد الطالبي - بتاريخ : 08/09/2025