الجزائر عنصر توتر إفريقيا ومتوسطيا
مصطفى العراقي
أبرز إنجاز حققته الجزائر خلال الخمس سنوات الأخيرة هو أن نظامها استطاع أن يجعل منها عنصر إنتاج التوترات مع جيرانها، بفعل سياسة التخبط وفقدان البوصلة والسعي لتغطية المشاكل الداخلية بغربال خطابات الوهم والادعاء. ليس التوتر فقط في المنطقة المغاربية، بل حتى بالنسبة للبلدان الواقعة جنوبها، وخاصة مالي والنيجر. ويمكن أن ندرج تونس التي توجد تحت سلوك الابتزاز الممارس ضدها والتهديدات باستهداف اقتصادها المتهالك أصلا. أما ليبيا شرقا، فالنظام الجزائري جعل منها مجالا تعاند فيه مسارات السلام المدعومة من طرف الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، خاصة مخرجات مسلسلي الصخيرات وبوزنيقة بالمغرب.
مالي فضحت قبل أشهر سعي الجزائر لزعزعة شمالها بدعمها لتنظيمات انفصالية وإيوائها لحركات مناوئة لباماكو. وقد فضح وزير الدولة المتحدث باسم الحكومة المالية، عبد اللاي مايغا، نظام عبد المجيد تبون، معلنا أن بلاده «تتعرض لتدخل خطير في شؤونها الداخلية، ومنذ انتهاء العمل باتفاق الجزائر في 25 يناير 2024»، وأن مالي «لا تعبر إلا عن أمنية واحدة، وهي أن ترتاح روحه (أي الاتفاق) في سلام».
أما العلاقات مع النيجر، فإن السلطات في نيامي اضطرت لاتخاذ «هدنة» مع جارتها الشمالية من أجل ترتيب أوراقها الداخلية. لكن الجزائر، وانسجاما مع ممارساتها العدوانية تجاه جيرانها، جعلت من ورقة ترحيل المهاجرين وسيلة لزعزعة الأمن في هذا البلد الإفريقي، الذي له حدود مع سبع دول. وهنا نشير إلى أن السلطات الجزائرية قامت منذ بداية السنة الجارية بترحيل حوالي 25 ألف مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء، وفي ظروف لا إنسانية وقاسية، إلى شمال النيجر، مما خلق حالة ارتباك أمني واقتصادي واجتماعي بالنيجر.
واستمراراً لروح الهيمنة بالمنطقة المغاربية التي تسكن النظام الجزائري منذ أكثر من نصف قرن، رفع المسؤولون بهذا البلد من درجة عدائهم للمغرب، من خلال دفع فصيلها العسكري البوليساريو للقيام بهجمات على المناطق المتاخمة للجدار الأمني بأقاليمنا الجنوبية. بل وتنظيمها بعاصمتها الجزائر مسرحية عبثية في نهاية الأسبوع الماضي، ادعت أنها لمساندة ما أسمته بـ»جمهورية الريف» شمال المغرب.
وليس الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط هي المجال الجغرافي الوحيد الذي يشهد التيه والهذيان السياسي والإعلامي للنظام الجزائري وإنتاجه للتوتر الدبلوماسي، بل حتى الضفة الشمالية المتوسطية. فالعلاقات مع إسبانيا وفرنسا متوترة، خاصة بعد اعتراف مدريد وباريس بالسيادة المغربية على الصحراء. وأطلق تبون وإعلامه حرب اتهامات ومصطلحات تضمنت أبشع النعوت تجاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، وأشهر ورقة الطاقة غازاً وبترولا في محاولة منه للتأثير على قرارات سيادية لهذين البلدين.
النظام الجزائري راكم خلال الخمس سنوات الأخيرة ما جعله نظام توتر إفريقي ومتوسطي، ويسكن مسؤوليه هاجس التسلح والإنفاق المبالغ فيه على مؤسسته العسكرية، التي تعد في الحقيقة الحاكم الفعلي لهذا البلد المغاربي. ويكفي الإشارة إلى أن ميزانية الجيش للسنة المقبلة بلغت 25 مليار دولار، وهو رقم قياسي ويمثل أكثر من 20 بالمائة من الميزانية العامة للبلاد.
الكاتب : مصطفى العراقي - بتاريخ : 27/11/2024