الحكومة سقطت سياسياً… والمغرب يؤدي الثمن
محمد السوعلي
لم يعد ممكنا اعتبارالنقاش في المغرب حول الأزمة مجرد اختلاف في وجهات النظر تتحكم فيها المنطلقات الفكرية والإيديولوجية لكل طرف.
فالسؤال الحقيقي اليوم هو: هل وصلنا إلى درجة توحي بإن الحكومة انسحبت من مهامها الدستورية وتخلت عن دورها في حماية المجتمع وتوجيه الاقتصاد؟
القارئ لقانون المالية لسنة 2026 يدرك فورًا أننا أمام وثيقة تُشبه إعلانًا رسميًا بنهاية دورة حكومية فشلت في تقديم رؤية، وفشلت في بناء سياسة عمومية منسجمة، وفشلت قبل ذلك في حماية تماسك المجتمع من موجات الغلاء والبطالة والتفاوتات.الأزمة لم تعد ظرفية؛ إنها أصبحت بنية يومية تُنذِر بأن البلاد تُقاد نحو المجهول.
1. مجتمع يختنق والواقع
الاجتماعي يفضح عجز الأغلبية
تكشف المؤشرات الاجتماعية وضعًا مقلقًا لا يمكن تجاهله. فأكثر من 38% من شباب المغرب خارج سوق الشغل، و70% منهم يفكرون في الهجرة، بينما تواصل أسعار المواد الأساسية ارتفاعها بوتيرة تقارب 12% في المتوسط. ومع تجاوز القروض الاستهلاكية حاجز 430 مليار درهم، باتت الأسر تعيش على الاستدانة، لا على الدخل.
في العالم القروي، تتجاوز الهشاشة 17%، وفي المدن تتسع الهوامش التي تحتضن آلاف العائلات والأسر التي تعاني من فقر مدقع، ويضعف حضور الدولة في الخدمات الأساسية. الصحة العمومية تعاني خصاصًا مهولًا، بسبعة أطباء فقط لكل عشرة آلاف مواطن، والتعليم يعاني من الهدر المدرسي الذي يطال أكثر من 300 ألف تلميذ سنويًا.هذه ليست مجرد اختلالات؛ إنها نتيجة مباشرة لتراجع الدولة عن واجباتها، وترك المواطن يواجه ظروفًا معيشية قاسية دون حماية ولا أفق.
2. اقتصاد بلا قيادة… وسياسات
تُدار بعقليةالتدبيراليومي
الوضع الاقتصادي لا يقل خطورة عن الوضع الاجتماعي. فالنمو لا يتجاوز 2.7%، وهي نسبة غير قادرة على استيعاب الضغط الديمغرافي أو خلق فرص الشغل. العجز التجاري يقترب من 300 مليار درهم، والمديونية العمومية تتجه نحو مستويات مثيرة للقلق.
فقدان مئات الآلاف من مناصب الشغل في الفلاحة يعكس غياب سياسة وطنية قائمة على الأمن الغذائي والسيادة الإنتاجية. أما الاستثمار الخاص، فلا يزال جامدًا بسبب انعدام الثقة وغياب رؤية اقتصادية واضحة.
لا سياسة صناعية، لا سياسة تشغيل، ولا إرادة لتصحيح اختلالات الاقتصاد. إنها نتيجة طبيعية لاختيارات الحكومة التي، نتيجة لفقدانها لرؤية ولمشروع، آثرت التعامل مع الشأن العام بمنطق تدبير اليومي وبشكل مشوه. فلا هي قادرة على خلق ظروف من شأنها المساهمة في تحقق تنمية حقيقية، ولا هي حاولت حماية التوازنات الكبرى، والأدهى والأمر أنها تركت المواطن يواجه تغول الوسطاء الذين فرضوا سطوتهم عاى جميع القطاعات المترتبطة بمعيشه اليومي.
3. النيوليبيرالية… النموذج الذي فكّك الدولة وأضعف المجتمع
ما تعيشه البلاد اليوم هو النتيجة الطبيعية لاختيارات نيوليبرالية متسرّعة ومتناقضة مع الواقع الوطني. فقد تراجع حضور الدولة في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية باسم «إصلاحات» لم تحمل سوى المزيد من الهشاشة.
خدمات صحية منهكة، مدارس تئن تحت ضغط الاكتظاظ والهدر، شباب بلا أفق مهني، وسياسة حماية اجتماعية لم ترصد لها الموارد الضرورية، بالشكل الذي يوفر ظروف استدامتها، ولا هي خاضعة لهيكلة مضبوطة و متكاملة.
إنه نموذج يقوم على تفكيك الدولة بدل تقويتها، وعلى الاعتماد على السوق بدل التخطيط، وعلى ترك المجتمع يواجه مصيره دون أدوات دعم أو حماية.
لقد تحولت النيوليبيرالية في الشكل الذي سوقته به الحكومة، أي نيولبرالية غارقة في تضارب المصالح، من خيار اقتصادي إلى سبب في أزمة دولة بأكملها.
خاتمة – بين استمرار الانحدار وبناء دولة قوية: على الناخب أن يختار
تكشف قراءة الوضع العام أن المغرب لا يواجه أزمة قطاعية، بل أزمة سياسية عميقة ناتجة عن غياب القرار وتشتت الرؤية وانسحاب الدولة من أدوارها الأساسية. وقد جاء قانون المالية لسنة 2026 ليؤكد هذا الواقع، باعتباره وثيقة بلا طموح ولا رؤية ولا قدرة على إعادة الثقة.
اليوم، أصبح واضحًا أن البلاد بحاجة إلى إعادة بناء سياسة تقوم على دولة قوية، واقتصاد منتج، وعدالة اجتماعية شاملة، ونموذج يضع الإنسان في قلب القرار العمومي.هذا هو جوهر المشروع الاجتماعي–الديمقراطي الذي يقدمه حزب الاتحاد الاشتراكي: دولة تقود، لا تُقاد؛ ومؤسسات تشتغل، لا تُعلّق؛ وشباب يُشارك، لا يتم تجاهله وتغييبه،وستكون انتخابات 2026 لحظة فاصلة بين خيارين لا ثالث لهما: استمرار الانحدار الذي صنعته الأغلبية الحالية… أو بداية إعادة بناء المغرب على أسس صلبة ومنصفة ومسؤولة.
الكاتب الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي
للقوات الشعبية بتطوان
الكاتب : محمد السوعلي - بتاريخ : 26/11/2025

