الدولة القوية بين الديمقراطية والتنمية
فتح الله رمضاني
هل يمكن تصور قيام نظام ديمقراطي، من دون دعم التنمية؟ وهل يمكن تحقيق التنمية دون إقرار الديمقرطية؟ ببساطة أيهما شرطي للآخر؟ هل الديمقراطية شرطية للتنمية؟ أم أن التنمية شرطية للديمقراطية؟ وما علاقة قوة الدولة بالديمقراطية وبالتنمية؟
استأثرت هذه التساؤلات فيما مضى باهتمام العديد من الفاعلين والباحثين، لكن المؤكد أن هذا النقاش أصبح محسوما اليوم، بعد أن تم تجاوز فكرة أن الديمقراطية لا تتلاءم مع التنمية، وأصبح هناك إجماع اليوم كون الدولة القوية هي الدولة الديمقراطية، وأن الديمقراطية مدخل أساسي لتحقيق التنمية، وأن الحكم على صحة الطرح القائل بلا حاجة التنمية للديمقراطية، تفنده أغلبية النماذج والتجارب الموجودة في العالم.
إن التأكيد على أن الديمقراطية شرط أساسي لتحقيق التنمية، لا يعني أن الديمقراطية تخلق التنمية بهذا المعنى المباشر، أي أن الديمقراطية سبب مباشر في التنمية، حيث إن الدول بمجرد إقرارها للديمقراطية بما تعنيه من قيم ومن إجراءات تكون قد خلقت فيها التنمية، كما أنه لا ينفي حاجة الديمقراطية للتنمية، فالتنمية تحافظ على الديمقراطية، وتضمن استمرار نجاعتها، هكذا حاجة متبادلة، وتجسيد لترابط جدلي، مضمونه أن الديمقراطية تؤسس للتنمية وأن التنمية تحمي الديمقراطية، وهما دعامتان رئيستان تستند عليهما الدول القوية.
فإقرار الديمقراطية وما تعنيه من قيم ومن مخرجات، والعمل على ضمان تحقيق التنمية، وما له من آثار اجتماعية، يعني بالضرورة وجود مؤسسات ذات شرعية قوية، وبالتالي وجود دولة قوية، ذلك أن شرعية المؤسسات لا تجد أساسها في نزاهة وشفافية العمليات الديمقراطية التي نتجت عنها فقط، بل إن ما يقوّي شرعية المؤسسات هو أن تعكس هذه العمليات الإرادة الحرة للمنظومة الانتخابية، دون تدخل أو توجيه من أي قوة أخرى أو من أي فاعلين آخرين، غير ما يعرضه الفاعل السياسي من عروض سياسية، وهو ما تساهم التنمية في ضمانه، من خلال ما تحققه من تحولات ذات أبعاد اجتماعية، تنعكس حتى على مستوى وعي الأفراد بمصالحهم وبالتالي على مستويات اختياراتهم.
لقد ارتبط وجود كل القوى الطامحة للتغيير بالمغرب بالنضال للأجل الديمقراطية بما تعنيه من حرية سياسية وعدالة اجتماعية، وهو ما جعلها تنخرط ومن كل المواقع في إنجاح مجموعة من الأوراش في مختلف المجالات، ليتوج نضالها بدستور 2011، الذي كان محطة أساسية في وضع أسس جديدة لمغرب جديد، وقد كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في طليعة هذه القوى دائما، وهو المركز الذي جعله ينتبه إلى أن التغيير في المغرب، لا يجب أن يقتصر على إنجاح مسلسل البناء الديمقراطي الذي انخرط فيه منذ حكومة التناوب التوافقي، بل يجب أن يهتم بعملية دعم التنمية أيضا، وهو ما لم يتحقق بالرغم من كل تلك المجهودات والأوراش التي استهدفت تحقيقها، وبالتالي التقليل من حجم اللامساواة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وما يعنيه ذلك من توسيع لهوامش استقرار الديمقراطية وبالتالي تدعيم نجاح مسلسل البناء الديمقراطي.
والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هكذا، أي كقوة طامحة للتغيير ومدركة عن وعي وعن قناعة لطبيعة التغيير الذي تناضل لأجله، ظل وفيا لهويته الاشتراكية الديمقراطية في النضال لأجل الديمقراطية ولأجل الدولة القوية، التي لا تعني في أدبيات الاتحاد الاشتراكي وكما ذكّر به كاتبه الأول خلال افتتاح المؤتمر الوطني العاشر للحزب سنة 2017، (لا تعني) إلا الدولة غير المحايدة التي تقوم بدور تحفيزي واجتماعي لصالح الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا داخل المجتمع، وذلك من خلال توفير شروط العيش الكريم، والحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة، وهو ما لا يمكن إدراكه إلا مع وجود نظام سياسي مستقر، وإطار قانوني واضح، وبالتالي مؤسسات ذات شرعية قوية.
إن هذا المعنى قد تحقق عند الاتحاد الاشتراكي منذ المؤتمر الاستثنائي سنة 1975، وانطلاقا من فهم مبكر للعلاقة المعقدة بين التنمية والديمقراطية، وإيمانا منه أن عملية دعم التنمية تحتاج إلى وجود دولة قوية أي وجود دولة ديمقراطية، وأن تحقيق التنمية كفيل بضمان استمرار واستقرار الديمقراطية أي أنه كفيل بضمان استمرار قوة الدولة.
الكاتب : فتح الله رمضاني - بتاريخ : 17/06/2020