الصين التي في خاطري 10 : يانغتشو تربط السياحة بالثقافة فوق «ركح من ماء»
بديعة الراضي
بدأ التعب يتسرب إلى وجوهنا تدريجيا، في نهاية ذلك اليوم بقويلين، وتحديدا بمنطقة يانغشوا، نحن الوفد المغربي الذي ذهب إلى الصين الشعبية في مهمة استطلاعية للكوادر الحزبية المغربية لمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم.
لكن الرغبة في الاستفادة من زمن الرحلة في المعرفة والاستطلاع والمتابعة، جعلتنا نلبي الدعوة لمشاهدة استعراض فوق أحد أنهار يانغتشو، رغم أن مرافقينا خيرونا بين البقاء في الحافلة التي ستنقلنا بعد ذلك بمسافة زمنية ليست بالهينة، إلى منطقة أخرى، أو الدخول لمشاهدة عرض فوق» ركح من ماء»، والذي تجاوز زمنه المسرحي، أزيد من ساعة ونصف.
بالفعل، لم أندم شخصيا على محاربة النوم المتسلل إلى عيوني عندما انتهى العرض، الذي حج إلى مشاهدته الآلاف من السياح الصينيين والأجانب، هؤلاء الذين اصطفوا تباعا للحصول على تذاكر الدخول، في الوقت الذي تكلف الرفيق رائد و الرفيقة لبيبة بعملية دخولنا، ودفع ثمن تذاكرنا، كما أني لم أكثرت بالألم الذي سيطر على مشط قدمي، ذلك الذي تغلبت عليه بشراء حذاء رياضي خفيف من الشارع الغربي، بعد الغداء السريع الذي دعينا إليه في فندق «بيليان بمدينة يانغشو بمنطقة قويلين»، وهو الشارع الذي برمج مضيفونا أربع ساعات للتجول الحر فيه، أو ربما للتسوق من مدينة رسمت معالم ذاكرتها الحضارية التي تجر آلاف السنين، على كل تلك الأشياء الجميلة والإبداعية، والتي تفنن حرفيو الصين في العمل على مقوماتها، تلك التي تشد نظرك وتدعوك إلى التأمل فيها، إن لم تسعفك النقود القليلة التي تضعها في جيبك تحسبا لأي طارئ.
كما تدعوك إلى التساؤل عن سر سحرها لتعرف من مرافقينا أو من دفترك الخاص، بعد ذلك، أن مدينة يانغتشو الواقعة في وسط مقاطعة جيانغسو بجنوبي الصين هي مدينة ثقافية وسياحية، يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي سنة، وتتواجد هذه التحفة المجالية في حضن نهر اليانغتسي وقناة جينغهانغ الكبرى التي تبدأ من مدينة بكين شمالا وتنتهي في مدينة هانغتشو حاضرة مقاطعة تشجيانغ شرقا .
قال الرفيق رائد الذي بدا متمكنا من مهمته في مختلف محطات تواجدنا في منطقة قوانغشي الذاتية الحكم، مترجما عن المرشدة السياحية التي حرص المنظمون أن تكون معنا فور وصولنا إلى قويلين، والتي اعتذرت بعد ذلك لمرض ألم بها، فتم تعويضها في حينه، قال إن يانغتشو مدينة قديمة يرجع تاريخها إلى ما يزيد عن ألفي سنة، تقع وسط مقاطعة جيانغسو جنوب الصين، وتطل على نهر اليانغتسي جنوبا وتتصل بنهر هواي شمالا ، وأن يانغتشو التي يصل عدد ساكنتها إلى أربعة ملايين و536 ألف نسمة و التي تتربع على ترابها البالغ تسعة آلاف وثمانمائة وثمانية وثمانين كيلومترا مربعا، استفادت كثيرا من دلتا نهر اليانغتسي المتطورة، كما أن هذه المدينة تعمل على تنمية صناعة الثقافة، ليكون لها اليوم «أربع واجهات»، تنطلق من التنمية السياحية للأرض الرطبة، وترميم الآثار القديمة على ضفتي القناة الكبرى، تم إحياء التقنيات التقليدية القديمة، وتقديم العروض الفنية ذات الخصائص المحلية.
وهي بذلك تجمع بين التنمية السياحية والاقتصادية وحماية البيئة، وبين المصالح الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والحرص على الانسجام بين المحافظة على الآثار القديمة وبناء المعالم الحديثة، والدمج بين الخصائص الثقافية والثروات الطبيعية. كما تسعى يانغتشو إلى استغلال الثروات السياحية للقناة الكبرى، مثل المعالم والبنايات السكنية والجسور القديمة، لتوفير اختيارات متنوعة للسياح وتسويق الثروات السياحية للقناة الكبرى بأسلوب السوق الحديث، وتحويل القناة الكبرى إلى صورة حيوية.
في ذلك اليوم المتعِب والمفيد في نفس الوقت، انطلقت بنا الحافلة ليلا بعد مشاهدة العرض الأسطورة على» ركح من ماء»، كان العرض محطة أخرى للنقاش بين أعضاء الوفد. قال أحدهم ألا مجال للمقارنة مع مسرحنا.
لم أساهم في النقاش أنا الكاتبة المسرحية في بلادي، ولم أعلق على قسوة بعض التعبيرات التي جاءت على لسان البعض من أعضاء وفدنا، والتي دخلت في مقارنات غير منصفة، مست قدرتنا على الإبداع وسط غياب الاستراتيجيات الثقافية الحقيقية والكفيلة بجعلنا قادرين على تحويل البعض من ضفاف أنهارنا الجميلة والرائعة إلى «ركح مائي» يجر خزان ثقافتنا العريقة تلك التي يجسدها حرفيونا ومهنيونا في الهامش، بصمت يعي حجم الإهمال، لكنه صمت يشد بالنواجذ على قيمة إبداعية دفينة وقوية وصامدة.
ولم أخبر أعضاء وفدنا أن مسرحيينا خاضوا تجربة «الركح فوق الماء»، بإمكانياتهم البسيطة، ولم أذكرهم بالمسرحية التي قدمها محمد البلهيسي بالرشيدية فوق بحيرة «العين الزرقاء»، وهي المسرحية التي كتبها عدد من المؤلفين المغاربة أمثال أحمد الطيب لعلج وعبد الكريم برشيد وأحمد العراقي ورشيد بناني وغيرهم، والتي تحكي قصة «ايسلي وتسليت»، وغير ذلك كثير.
الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 14/10/2017