الطاكسي .. و «رأسمال الثقة»

حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com

 

تعيش العديد من المدن المغربية، من حين لآخر، على وقع ” جدل” متراوح بين الخفوت حينا و”الاشتعال” أحيانا ، بين السلطات الولائية أو العاملية ، من جهة ، ومهنيي سيارات الأجرة من خلال نقاباتهم ، من جهة ثانية ، جراء عدم التفاهم بشأن ” السبل الناجعة ” لتأهيل هذا القطاع الخدماتي الحيوي، وتخليصه من كافة الشوائب المشوشة على صورته العامة.
على صعيد العاصمة الاقتصادية، مثلا ، أصدرت ولاية جهة الدار البيضاء – سطات، قبل مدة ، قرارا يستهدف “تنظيم القطاع”، من خلال “وضع جملة من الشروط على سائقي “الطاكسي”، عقب تزايد شكايات المتضررين من بعض السلوكات غير المقبولة، ك “رفض نقل المواطن / الراكب إلى الوجهة التي يريدها ” ، و”تجمهر السائقين أمام أبواب المحطات الكبرى” بالمدينة ” القطار والمحطة الطرقية ” ، و”اختيار الركاب بعناية حسب الوجهة التي يريدها السائق لا الزبون..” . وتضمن القرار الولائي ” ضرورة أخذ السائق الإذن من الراكب في حال رغب في إيصال راكب آخر”، وهدد بعقوبة “سحب رخصة السياقة في حال عدم استخدام العداد” ، هذا إلى جانب “التحلي بالسلوك الحسن وارتداء هندام لائق ، ومنع ارتداء “الشورت” أو “الفوقية”، والتدخين في حال ما إذا كان السائق يحمل معه زبونا أو زبونة …”” .
خطوة ولائية أتت في خضم “نقائص” متعددة الأوجه يعاني من تداعياتها القطاع ، ضمنها “تزوير لوحات ترقيم الطاكسيات وأرقام مأذونياتها”، كما حدث منذ حوالي أربع سنوات – 2013- في منطقة الحي الحسني ، حيث كشفت السلطات الأمنية أنذاك عن ” ضبط سيارتي أجرة من نفس النوع “رونو لوكان ” ، تتجولان ب”هوية واحدة ” ؟
واقعة ليست بالمنفردة ، حسب عدد من مهنيي القطاع، تؤشر على أن هذا الأخير “اختُرق” من قبل عدد ممن لا يُقدِّرون جسامة الدور المنوط بسائقي الطاكسي، والذين تدفع تصرفاتهم “غير المسؤولة” إلى طرح العديد من الأسئلة الحارقة : : كيف لأب، سمع بواقعة التزوير المومأ إليها ، أن يأمن على أبنائه القاصرين ، المضطرين لامتطاء الطاكسي للتوجه إلى مدارسهم ؟ وكيف لزوج أن يأمن على زوجته التي اختارت سيارة الأجرة كوسيلة “لا شبهة فيها”، للذهاب إلى مقر عملها أو لقضاء الأغراض اليومية المختلفة؟ ماهي العلامات المائزة التي تمنح للراكب الإحساس المُطمْئن أن الطاكسي الذي يقله لا علاقة له ب”الطاكسي الأسود” أو “ذي الهوية المزورة “؟ .
في هذا السياق سبق لبعض النقابات أن دقت ناقوس الخطر بشأن العشوائية التي طبعت عملية منح “رخصة الثقة” للعديد من ذوي السوابق من قبل أحد الولاة الذين تعاقبوا على “إدارة” الدارالبيضاء ، تحت غطاء “محاربة العطالة وخلق فرص الشغل” ، لتكون النتائج، مع توالي السنوات ، ذات لون أسود قاتم صدمت المهنيين أنفسهم ، قبل غيرهم ، هم الذين طالما ناضلوا للإبقاء على صورة سائقي سيارات الأجرة في منأى عن أي خدش مهما بدا صغيرا .
قتامةٌ تعددت تمظهراتها في”حوادث” طفت على سطح “الأخبار ” المثيرة للانشغال ، خلال السنوات الأخيرة، تراوحت بين اتهام “سائق” بالتحرش ومحاولة اغتصاب إحدى الزبونات بعد تغيير مسار الرحلة ، على حين غرة ، صوب منطقة معزولة، وتورّط آخر في “السطو” على أغراض وأمتعة مُسافر حلّ ب”المدينة الغول” لاكتشاف مُقومات نعتها ب”العاصمة الاقتصادية للبلاد” قبل أن يجد نفسه داخل أقرب “كوميسارية ” يحكي سطور صدمته غير المتوقعة ، هذا دون إغفال “تزايد عدد “الغُرباء” ، الذين “يسوقون” الطاكسيات البيضاء، بالأساس، دون أن تكون بحوزتهم “رخصة الثقة” الضرورية لممارسة هذه المهنة، وينشطون أكثر ب “الخطوط” المرتبطة بالضواحي!
ومؤخرا “تم توقيف سائق سيارة أجرة من الحجم الصغير، يستغل فترة اشتغاله ليلا لترويج الكوكايين و الخمور، حيث تمكنت عناصر الشرطة القضائية ، من اعتقاله بالقرب من سوق للا رقية وضبط بحوزته كيلوغرام من الكوكايين، وقنينتين من المشروبات الكحولية الفاخرة، وخمسة أقراص من الحبوب المخدرة القوية من نوع الاكستازي، و مبلغ مالي متحصل من ترويج الممنوعات” يقول مضمون خبر “ورد” من مدينة القصر الكبير الهادئة .
هي عناوين “سوداء” تشوش على “صورة ” قطاع ، تسعى نقاباته وجمعياته الجادة ، إلى تقنينه والدفاع عن مصالح المنتسبين إليه حتى يحظى بالمكانة التي يستحقها ماديا واعتباريا، تستوجب – بشكل مستعجل – تضافر الجهود بين المهنيين والسلطات المحلية والأمنية للحيلولة دون اتساع “دائرة اللاثقة”، الحاملة في طياتها لأوخم العواقب، وحتى لايبقى معنى “العصرنة” مقتصرا على الآلة- السيارة، في سياق تنفيذ برنامج دعم تجديد سيارات الأجرة على الصعيد الوطني، حيث “بلغ العدد الذي استفاد، إلى حدود شهر أكتوبر الماضي، 13 ألف سيارة أجرة صغيرة، أي بنسبة 40 في المائة من حظيرة السيارات، وتم تجديد ما يزيد عن 21 ألف سيارة أجرة كبيرة، بنسبة تجاوزت 46 في المائة من أسطول هذا الصنف” تقول معطيات رسمية كشفت عنها وزارة الداخلية مؤخرا.
وتفاديا لتكرار الأيام التي يستفيق فيها المرء على أخبار قاتمة تدفع إلى التشاؤم بشأن مستقبل هذا القطاع الحساس ، لا بد من إبقاء أبواب المصالح الوصية على تدبير شؤونه ، داخل مختلف الولايات والعمالات ، مفتوحة في وجه ممثلي المهنيين، بحثا عن أنجع “الأدوية” وأنسبها ل ” أدواء ” تسبب في استفحالها متطفلون لا يهمهم سوى “الاغتناء” ولو على حساب “سمعة ” قطاع كافح مهنيون شُرفاء ، طيلة عقود ، من أجل إرساء دعائمه السليمة، القائمة على “رأسمال الثقة” ونكران الذات ، وذلك عوض أن يتحول الشارع إلى “منصات ” لتلاوة بيانات “الاحتجاج ” ، مع ما يعنيه ذلك من فتح باب المجهول على مصراعيه ؟

الكاتب : حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com - بتاريخ : 05/12/2017