العاشر من أكتوبر: على هذه الأرض ما يستحق النضال… خدوج السلاسي

خدوج السلاسي

في الوقت الذي نسجل فيه باعتزاز خروج بعض القوانين إلى حيز التطبيق كقانون محاربة العنف وقانون العاملات والعمال المنزليين- على ما يعتري لحظة التصور والتشريع من ثغرات تم التنبيه إليها في حينه-وفي الوقت الذي نطالب فيه بالحرص على ضرورة تفعيل النصوص، والوقوف ميدانيا على الاختلالات، في أفق التصويب والاستدراك، في ذات الوقت، نعتبرالنضال المجتمعي من أجل حقوق النساء نضالا مفتوحا، ونجدد العزم على الاستمرار في الترافع والتصدي لمختلف التراجعات والخورقات.
يقترنالعاشر من أكتوبر في بلدنا بالاعتماد المؤسساتي لمدونة الأسرة التي خرجت إلى الوجود بعد مخاض فكري إيديولوجي قوي لعبت فيه القوى المحافظة دورا قويا وتصدى له الحراك النسائي التقدمي الحقوقي بشكل أقوى.
واليوم وبعد مرور 14 سنة على قانون الأسرة أصبح التغيير واردا،والمراجعة ضرورية لأكثر من اعتبار:
الاختلالات والفراغات التي كشف عنها التطبيق.
ضعف أو عدم الملاءمة مع ما استجد من قوانين، وعدم التساوق مع الدستور في جانبه المساواتي وكذا مع الاتفاقات الدولية.
تنامي الوعي النسائي والتحولات السوسيولوجية والاقتصادية التي تعرفها أوضاع النساء في بلدنا.
تيهان السلطة التقديرية للقضاء وتوظيفها في الاتجاه التقليدي المحافظ ارتباطا باللاشعور الجمعي الثقافي للفاعل القضائي،في قضايا كثيرة كتعدد الزوجات وتزويج القاصرات نموذجا.

– العاشر من أكتوبر مناسبة لتذكير بضرورة مواجهة العنف بكل أشكاله ضد النساء في جوانبه القانونية والاقتصادية والسياسية والثقافية، باعتبار العنف يشكل أبرز معوق للمجتمع المساواتي، عنف يشتغل في العلن والخفاء، ظاهره عنف يمارس في القضاء العام ويتغدى على خلفية ثقافية خبيئة عميقة ومضمرة، عنف يسري في صمت لا يسمع له صدى إلا عند حدوث نازلة عنيفة فارقة هنا أو هناك، عنف يسعى ثقافيا إلى إعادة المرأة باستمرار إلى الفضاء الخاص، الفضاء الدائري المغلق (الدار) باعتباره المجال الطبيعي لممارسة «وظائف الأنوثة» فتحرش والتضييق إشارات إلى التملك الحصري للفضاء من طرف الذكر،وكأن ارتياد المرأة للفضاء العام اختراق وغزو باعتباره لم يشكل اجتماعيا وثقافيا وعمرانيا من أجلها.
عنف يتم فيه إسقاط اللوم على الضحية ضمن منظور ثقافي متماه مع القيم الاجتماعية الموازية لشرعية النص والمعطلة لتفعيله الجدي، وعلامة ذلك هو استخدام توصيفات للنساء ضحايا العنف كوصفهن بالعاهرات أو المتبرجات المغريات المستفزات فتحظى الإساءة بنوع من القبول.إنها المنظومة الثقافية الاجتماعية الموازية للنص القانوني التي تتمثل جسد المرأة باعتبارها تهديدا للأمن الذكوري.
إن إحدى واجهات نضال اليوم هي مواجهة هذه الشرعية الثقافية الموازية التي تضعف النص وتعطل تطبيقه، والتي يصبح معها عنف الرجل واغتصابه للمرأة أمرا يكاد يكون طبيعيا، أو على الأقل مبررا. ويغدو معها ضمنيا جسد المرأة حقا للرجل.
لابد أن يمتد النضال إلى هذه الخلفية الثقافية التي تتقبل العنف الجنسي وتبخس الجسد وتعزله عن العاطفة والرغبة والإرادة ، خلفية ترفض منح النساء قيمة الكائن الجنسي المستقل، إنها معركة ثقافية عسيرة يأخذ فيها النضال مدى بعيدا (لأن الموضوعات الثقافية تجسدت دائما من الناحية الأنتروبولوجية في طقوس الاستغلال الجسدي. (Mary Douglas)
– في العاشر من أكتوبر، نتذكر ونذكر بالتقرير الخمسيني الذي رصد اختلالات النماذج التنموية السابقة متوقفا عند قصورات ثلاثة سجلت اختلالات عميقة في ثلاثة مجالات: مقاربة قضايا النساء – غياب الاستراتيجية واضحة لنهوض بالبادية المغربية- غياب تصور وطني شامل ومستديم لتطوير المدرسة العمومية.
إن المقاربة المندمجة لهذا «الثلاثي المأزوم» هي السبيل الأنسب لمعالجة أوضاع النساء في بلدنا، باعتبار المسألة النسائية هي المدخل الرئيس لأي نموذج تنموي جديد، بتجاوز ويصحح الاختلالات السابقة.
إن تنمية البادية المغربية تضمن للمرأة القروية حقها في التعليم والشغل والصحة، والنهوض بالمدرسة الوطنية العمومية إقرار لتكافؤ الفرص، وتربية على المواطنة والمساواة ، وإعداد لسوق الشغل ، وقبل هذا وذاك وقف لنزيف الهدر المدرسي عند الفتيات وصمام دون تزويج القاصرات، وحد لمسلسل «الخادماتالصغيرات» (دون 18 سنة).
– في العاشرة من أكتوبر ينتعش الوعي مجددا بضرورة النضال من أجل التمكين الاقتصادي للنساء، وضرورة وقف كل أشكال التمييزفي هذا المجال تحت ضغط ثلاثة مؤشرات على الأقل: تزايد المسؤولية المرأة اليوم في الإنفاق، تنامي الوعي بالحيف وتوفر النصوص الضامنة للمساوة (الدستور) وكذا تغير السياقات التاريخية التي جعلت المرأة اليوم فاعلا اقتصاديا هاما، وقوة إنتاجية مساهمة في إنتاج الثورة الوطنية. لذا يتعين النضال- انسجاما مع السياق الحالي الذي قطع ويقطع اليوم مع التمثل القبَلي لأدوار النساء من أجل التمكين الاقتصادي والمساواة بين الرجال والنساء في هذا المجال.
– لابد من المزيد من الترافع من أجل تطبيق ما يسميه الفرنسيون approche intègrée de l’égalité المقاربة المندمجة للمساواة، وذلك بالمطالبة بتطبيق مقاربة النوع في مجال السياسات العموميةبهدف الارتقاء الفعلي بالمساواة عند كل من الرجال والنساء، أخذا بعين الاعتبار مختلف الفروقات والتراتبيات المؤسسة اجتماعيا وثقافيا.
فلا شك أن اعتماد مقاربة النوع في مختلف مراحل تدبير السياسات العمومية، وبشكل عرضاني على كل المستويات القطاعية هو المدخل الاستراتيجي الأنسب لتحقيق الأهداف التنموية من جهة ، كما أنه الآلية الفعلية لتجاوز الاختلالات والمفارقات بين النصوص التشريعية والمقتضيات المؤسساتية وبين واقع الحال التطبيقي من جهة ثانية.
– إن مفاهيم المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وغيرها من المفاهيم المؤسسة لرؤية حقوقية متكاملة للبنية القيمية الإنسانية التي تنبني عليها الاشتراكية الديمقراطية هي مفاهيم نظرية ذات جاذبية ودلالة فلسفية عميقة، إلا أنها تظل حبيسة التجريد والجمال النظري إذا لم يتم وضع المقتضيات الإجرائية على مستوى التدبير السياسي الفعلي في إطار مقاربة مندمجة للمساواة.
كما يسمح اعتماد سياسة النوع بالمعالجة التدريجية للاختلالات والفروق ما بين الرجال والنساء ثقافيا( باعتبارها تمييزا مبنيا على الجنس) فإذا كان الإنسان يولد ذكرا أو أنثى لتتولى التنشئة الاجتماعية تمرير السلوكات والمواقف وترسيخ الأنشطة والأدوار، فإن اعتماد سياسة النوع على مستوى تدبير السياسات العمومية يرفع من مستوى الدينامية الثقافية والاجتماعية ويسرع وتيرة التحولات السوسيولوجية.
– في العاشر من أكتوبر نذكر- سياسيين وحقوقيين ومثقفين- أن النهوض بأوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية، والارتقاء بالجوانب الحقوقية والسياسية يتطلب حركة واسعة وعميقة تتوخى تحديث كافة البنييات المجتمعية، وتتطلب فعلا ثقافيا جديا وجريئا لمواجهة معوقات الحداثة وطروحات المقاربات المحافظة المؤسسة على قراءات مُوجَّهة لنصوص الدينية كلما تعلق الأمر بالمواجهة والترافع من أجل النساء والتحديث.
إنها حركة ثقافية مجددة ضرورية ومبررة بتغير السياقات التاريخية، حركة شاملة ومندمجة ينخرط فيها السياسيون والمثقفون والإعلاميون نساء ورجالا، إذ لم يعد النضال من أجل النساء نضالا معزولا عن المشروع المجتمعي بكامله.
لقد استنفد الجيل الأول من النضال النسائي مهامه التقليدية التي طبعتها العلاقة الصراعية بين المرأة والرجل، وأصبحت الحاجة اليوم قائمة إلى ثورة ثقافية هادئة ومدروسة من أجل التنمية والحداثة والديمقراطية.
إن المسألة النسائية اليوم أولوية وطنيةومسألة استراتيجية ووجهة فكرية ثقافية يتعين أن تدعمها وتبلورها السياسات العمومية عبر استراتيجيات وطنية تعلو على اللون السياسي والظرفية الانتخابية.
إن مساحة الفعل من أجل مجتمع الحداثة والديمقراطية والتنمية مازالت واسعة جدا، وليس العاشر من أكتوبر سوى مناسبة لتجديد العزم على المزيد من النضال.

الكاتب : خدوج السلاسي - بتاريخ : 10/10/2018