العدوان الجزائري ومحاولة ترسيخ وهم «الأراضي المحررة»

لحسن العسبي

تطور جديد ذاك الذي اختارته السلطة الحاكمة بالجزائر، حين قررت وزارة خارجيتها مراسلة عدد من المنظمات الدولية، من ضمنها لأول مرة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، من باب لعب دور «الضحية والمظلومية»، كي تشتكي إليها ما تحاول ترسيخه من ادعاء اعتداء مغربي على مواطنين جزائريين مدنيين في جغرافية ما من الصحراء، لم يحدد أبدا البلاغ الأولي المتسرع لرئاسة الجمهورية الجزائرية منذ 5 أيام، هل هي في الأراضي الجزائرية أو في الأراضي الموريتانية أو في الأراضي المغربية.
إن ما يطرحه هذا التطور الجديد، هو ملامح بداية تدشين منهجية جديدة للقيادة العسكرية الجزائرية (الحاكم الفعلي بالجزائر)، ما بعد صدور القرار الأممي الجديد لمجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية للمغرب يوم 29 أكتوبر 2021، الذي رسم فشلها في حمل القوى العالمية على استصدار قرار أممي يدين المغرب في ما نفذه من خطوة ميدانية حاسمة لتحرير معبر الكركرات وتحريك الجدار العازل حتى الحدود الدولية بينه وبين موريتانيا منذ سنة. وتتمثل تلك المنهجية الجديدة في بعدين مركزيين.
أولها، السعي للعب دور الضحية المعتدى عليها، وإشراك لأول مرة مؤسسات عربية وإسلامية ضمن دائرة التشكي، بعد أن ظلت الديبلوماسية الجزائرية تركز اتصالاتها من قبل على هيئة الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي. مما قد يسمح بتأويل يذهب في اتجاه رغبتها في إشراك العالمين العربي والإسلامي، من قبلها في أفق لعب دور «للوساطة»، من حيث إدراكها مستوى قوة النفوذ المغربي بهاتين المنظمتين العربية والإسلامية، ورسوخ علاقات بلادنا مع العواصم الوازنة فيهما معا. بالتالي، فإن الإستراتيجية الجديدة للسلطة الحاكمة هناك، على قدر ما تسعى إلى محاولة اختراق جديدة للفضاء العربي والإسلامي (مؤسساتيا) من موقع ادعاء المظلومية والمطالبة بإنصافها، على قدر ما تحاول ضمنيا فتح الباب لإمكانية «وساطة فعالة ومؤثرة»، ستكون نتائجها عملية ومفيدة للجميع، تأسيسا على ما سبق وقامت به عاصمة من مكانة وقوة ووزن الرياض في الفضاءين معا العربي والإسلامي، على عهد الملك الراحل فهد، حين نجحت في إعادة تجسير العلاقات بين البلدين على عهد الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بنجديد والعاهل المغربي المرحوم الحسن الثاني. وتطورات استثمار هذا التوجه الجديد لديبلوماسيتها في القادم من الأيام هو الذي سيؤكد ذلك أو ينفيه.
ثانيها، محاولة العقل المدبر للعدوان الجزائري المستحكم بقصر المرادية ضد كل ما هو مغربي، ترسيخ فكرة وهم مقولة «الأراضي المحررة» بالصحراء الغربية للمغرب شرق الجدار الأمني، الذي هو رسميا منذ تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الأممي لسنة 1991، ليس أكثر من منطقة عازلة تراقبها قوات المينورسو الأممية المحددة مهمتها بدقة في مراقبة تنفيذ قرار وقف إطلاق النار. لأنه بالعودة إلى بلاغ الرئاسة الجزائرية (الملتبس باختيار)، لا نجد أي تحديد لمكان وقوع ما ادعته من اعتداء على مواطنين جزائريين قالت إنهم مدنيون وليسوا عسكريين (دون إغفال فطنة موريتانيا في سرعة إصدار مؤسستها العسكرية نفيا قاطعا لوقوع أي اعتداء فوق أراضيها). بالتالي فهو عدم تحديد متعمد، كون السلطة الحاكمة بالجزائر، تدرك جيدا أن البحث الميداني الذي ستقوم به قوات المينورسو الأممية بتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة سيفضي إلى نتيجة واحدة وحيدة، هي أن الشاحنات تلك احترقت فوق أرض مغربية مندرجة ضمن المنطقة العازلة شرق الجدار الأمني.
إن التوصل إلى تلك النتيجة، ضمن الإستراتيجية العدوانية الجديدة ضد الحقوق الوطنية المغربية، هو بالضبط ما تطمح إليه الجزائر. لأن غايتها هي الانتقال إلى فتح باب معركة جديدة، تسعى إلى ترسيخ فكرة «الأراضي المحررة» مؤسساتيا ضمن إطارات دولية من قيمة هيئة الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي.
علينا أن لا ننسى هنا، أمرين هامين، أولهما أن التعديل الدستوري الجديد بالجزائر رسم السماح للجيش الجزائري المشاركة في عمليات عسكرية خارجية. فيما ثانيها يتمثل في ما أعلن من توقيع اتفاق تعاون وتنسيق عسكري بين الجيش الجزائري وجبهة البوليزاريو بداية الصيف الماضي. بالتالي، فإن الخطة الجزائرية الجديدة، تأسيسا على التجييش النفسي والوجداني (داخليا) الذي تحاول ترسيخه من خلال ادعاء اعتداء المغرب على مواطنين جزائريين مدنيين، إنما هو مقدمة لتبرير تدخلها عسكريا عبر العناصر المسلحة للبوليزاريو فوق الأراضي المغربية بالمنطقة العازلة. لأنه حينها ستكون قد تدخلت تحت سقف بند دستوري وضمن إطار اتفاق تعاون ثنائي بينها وبين تلك الجبهة، ضمن أرض تريد ترسيخ أنها «أرض محررة» شرق الجدار وأنها ليست أرضا مغربية.
هل هي ملامح خطة ماكرة جديدة من قبل السلطة الحاكمة بالجزائر، تضيع من خلالها وقتا آخر ثمينا للجلوس إلى طاولة المفاوضة السياسية المفضية إلى فتح باب الأمل أمام تحقيق تعاون وتكامل مغاربي يحمي الأمن العام لشعوبنا كافة؟ أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد ورقة ضغط جزائرية ضمن أفق التفاوض السياسي المأمول، تحت سقف عربي وإسلامي؟.
أعتقد أن فتحها نافذة الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، قد يكون باب الأمل الممكنة ل «وساطة» وازنة ومؤثرة، قد تكون بوابة للتوصل إلى حل للأزمة المركبة في العلاقات بين بلدينا. خاصة وأن قرار الحرب الشاملة الذي تحاول ترويجه بعض أبواقها هنا وهناك، الذي غاياته إسكات كل صوت معارض للاحتجاج بالداخل الجزائري، هي الأكثر إدراكا أنه انتحار ليس للنظام الجزائري فحسب بل للدولة الجزائرية.

الكاتب : لحسن العسبي - بتاريخ : 06/11/2021